كتبه/ طلعت مرزوق
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
فالمراد بالوعد هنا: النصوص المتضمنة وعد الله -عزَّ وجلَّ- لأهل طاعته بالثواب.
والوعيد: النصوص المتضمنة وعيد الله -عزَّ وجلَّ- لأهل معصيته بالعقاب.
والوعد في اللغة يكون بالخير والشر. أما الوعيد فلا يكون إلا بالشر. (ينظر: مجمل اللغة لابن فارس).
قال الله -تعالى-: (قُلْ أَفَأُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذَلِكُمُ النَّارُ وَعَدَهَا اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَبِئْسَ الْمَصِيرُ) (الحج: 72).
وفى حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (تَحاجَّتِ الجَنَّةُ والنَّارُ، فَقالتِ النَّارُ: أُوثِرْتُ بالمُتَكَبِّرِينَ، والْمُتَجَبِّرِينَ، وقالتِ الجَنَّةُ: فَما لي لا يَدْخُلُنِي إلَّا ضُعَفاءُ النَّاسِ وسَقَطُهُمْ وغِرَّتُهُمْ؟ قالَ اللَّهُ لِلْجَنَّةِ: إنَّما أنْتِ رَحْمَتي أرْحَمُ بكِ مَن أشاءُ مِن عِبادِي، وقالَ لِلنَّارِ: إنَّما أنْتِ عَذابِي أُعَذِّبُ بكِ مَن أشاءُ مِن عِبادِي، ولِكُلِّ واحِدَةٍ مِنْكُما مِلْؤُها) (متفق عليه). وهذا وعدٌ منه -سبحانه- أيضًا.
قال الله -تعالى-: (وَقَالَ قَرِينُهُ هَذَا مَا لَدَيَّ عَتِيدٌ . أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ . مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ مُرِيبٍ . الَّذِي جَعَلَ مَعَ اللهِ إِلَهًا آخَرَ فَأَلْقِيَاهُ فِي الْعَذَابِ الشَّدِيدِ . قَالَ قَرِينُهُ رَبَّنَا مَا أَطْغَيْتُهُ وَلَكِنْ كَانَ فِي ضَلَالٍ بَعِيدٍ . قَالَ لَا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُمْ بِالْوَعِيدِ . مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ وَمَا أَنَا بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ . يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلَأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ) (ق: 23-30).
وقد ذهبت المرجئة في باب الوعد والوعيد إلى تغليب نصوص الوعد، وإغفال نصوص الوعيد؛ قالوا: كل ذنب غير الشرك مغفور، فلا يضر مع الإيمان معصية، كما لا ينفع مع الكفر طاعة. وضلال المرجئة في الوعيد: القطع بغفران كل ذنبٍ غير الشرك؛ قال -تعالى-: (إِنَّ الله لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ) (النساء: 48)؛ فكيف علموا تفاصيل مشيئته -سبحانه-؟!
وأحاديث الشفاعة دلت على دخول بعض عصاة الموحدين النار دون الخلود فيها.
وذهب الخوارج والمعتزلة إلى أن الله -عزَّ وجلَّ- يُنجِز وعده ووعيده، ولا يصح أن يُخلِف أيًّا منهما؛ وهؤلاء ضلوا في الوعد والوعيد؛ أما الوعد فلإيجابهم ذلك على الله -سبحانه- بطريق الاستحقاق والعِوض، وأما الوعيد فلقولهم بخلود أصحاب الكبائر في النار.
وأما توضيح قول أهل السنة ففي المقال القادم -إن شاء الله-.