الوفاء بالوعد وإخلاف الوعيد (2)
كتبه/ طلعت مرزوق
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
فأهل السُّنة هداهم الله لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ، وقالوا: إن الله لا يُخلِف وعده لأهل طاعته، بحكم وعدِه لهم بذلك، لا بحكم استحقاقهم عليه، فإن العبد لا يستحق بنفسه على الله شيئًا. أما الوعيد فيجوز أن يعفو الله -سبحانه- عن المُذنِب، وأن يُخرِج أهل الكبائر مِن النار؛ فلا يُخلد فيها أحدٌ مِن أهل التوحيد. (ينظر: منهاج السنة لابن تيمية).
وأعمال العباد لا تبلغ حق عبادته، أو تكافئ نعمه -سبحانه وتعالى-، ولا تدخلهم الجنة إلا أن يرحمهم؛ كما في الحديث عن عائشة -رضي الله عنها-: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: (فَإِنَّهُ لَنْ يُدْخِلَ الْجَنَّةَ أَحَدًا عَمَلُهُ). قَالُوا: وَلَا أَنْتَ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: (وَلَا أَنَا، إِلَّا أَنْ يَتَغَمَّدَنِيَ اللهُ مِنْهُ بِرَحْمَةٍ) (متفق عليه).
وعن جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (مَا فِي السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ مَوْضِعُ قَدِمٍ وَلَا شِبْرٍ، وَلَا كَفٍّ إِلَّا وَفِيهِ مَلَكٌ قَائِمٌ، أَوْ مَلَكٌ رَاكِعٌ، أَوْ مَلَكٌ سَاجِدٌ، فَإِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ قَالُوا جَمِيعًا: سُبْحَانَكَ مَا عَبَدْنَاكَ حَقَّ عِبَادَتِكَ، إِلَّا أَنَّا لَمْ نُشْرِكْ بِكَ شَيْئًا) (رواه الطبراني في المعجم الكبير، وقال ابن حجر في تحفة النبلاء: رجاله لا بأس بهم).
وعن عَدِيَّ بْنَ أَرْطَاةَ قَالَ: سَمِعْتُ رَجُلًا مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم-، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قال: (إِنَّ لِلَّهِ -تَعَالَى- مَلَائِكَةً تُرعَد فَرَائِصُهُمْ مِنْ خِيفَتِهِ، مَا مِنْهُمْ مَلَكٌ تَقْطُرُ مِنْهُ دَمْعَةٌ مِنْ عَيْنِهِ إِلَّا وَقَعَتْ عَلَى مَلَكٍ يُصَلِّي، وَإِنَّ مِنْهُمْ مَلَائِكَةً سُجُودًا مُنْذُ خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَمْ يَرْفَعُوا رُءُوسَهُمْ وَلَا يَرْفَعُونَهَا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَإِنَّ مِنْهُمْ مَلَائِكَةً رُكُوعًا لَمْ يَرْفَعُوا رُءُوسَهُمْ مُنْذُ خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَا يَرْفَعُونَهَا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، فَإِذَا رَفَعُوا رُءُوسَهُمْ نَظَرُوا إِلَى وَجْهِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، قَالُوا: سُبْحَانَكَ! مَا عَبَدْنَاكَ حَقَّ عِبَادَتِكَ) (رواه محمد بن نصر المَرْوَزِي في كتاب الصلاة، وقال ابن كثير في (سورة المدثر): "وهذا إسناد لا بأس به").
وروي عن جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما-: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "خَرَج مِنْ عندي خَليلي جبريلُ آنفًا، فقالَ: يا محمَّدُ! والَّذي بَعَثك بِالحَقِّ؛ إنَّ لله عَبْدًا مِنْ عِبادهِ عَبدَ الله خَمْسَماِئَةِ سَنَةً على رأسِ جَبَلٍ في البَحْرِ؛ عَرْضُهُ وطوله ثلاثونَ ذِراعًا في ثلاثينَ ذراعًا، والبحرُ مُحيطٌ به أربَعَة آلافِ فَرْسَخ مِنْ كلِّ ناحيَة، وأخْرَجَ لَهُ عَيْنًا عَذْبَةً بِعَرْضِ الإصْبَع، تَفيضُ بِماءٍ عَذْبٍ، فيَسْتَنْقِعُ في أسْفَلِ الجَبل، وشَجرةَ رُمَّانٍ تُخْرِج لهُ في كل ليلةٍ رمَّانَةً يتَعَبَّدُ يومَهُ، فإذا أَمْسى نَزلَ فأصابَ مِنَ الوضوء، وأخذَ تِلْكَ الرُّمَّانَةَ فَأكَلها، ثمَّ قامَ لِصَلاتِهِ، فسأل رَبَّه عند وقْتِ الأَجلِ أن يَقْبضَهُ ساجِدًا، وأنْ لا يجْعَل للأرض ولا لِشَيْءٍ يُفْسِدُه عليه سَبيلًا؛ حتى يَبْعَثَهُ الله وهو ساجِدٌ. قال: ففعَلَ.
فَنَحنُ نَمُرُّ عليه إذا هَبَطْنا وإذا عَرَجْنا، فنجِدُ له في العِلْمِ أنَّه يُبْعَثُ يومَ القيامَةِ، فيوقَفُ بينَ يدَيِ الله، فيقولُ له الربُّ: أدْخلوا عبدي الجنة برحْمَتي، فيقولُ: ربِّ! بَلْ بِعَمَلي. فيقولُ: أدْخِلوا عَبْدي الجنَّةَ بَرَحْمتي، فيقولُ: ربِّ! بَلْ بعملي، فيقولُ الله: قايِسُوا عبدي بِنِعْمَتي عليْهِ وبِعَمَلِه، فتوجَدُ نِعْمَةُ البَصَر قدْ أحاطَتْ بعِبادة خَمْسِمئَة سنَة، وبقيَتْ نِعْمَةُ الجَسَد فَضْلًا عليه، فيقولُ: أَدْخِلوا عبديَ النارَ، فيُجَرُّ إلى النارِ، فينادي: رَبِّ! بِرَحْمَتِك أدْخلني الجنَّةَ! فيقول: رُدّوهُ، فيوقَفُ بينَ يديْهِ، فيقولُ: يا عبدي! مَنْ خَلَقك ولمْ تَكُ شَيْئًا؟ فيقولُ: أنت يا ربِّ! فيقولُ: مَنْ قَوَّاك لِعِبادَةِ خَمْسِمِئَةِ سنَةٍ؟ فيقولُ: أَنْتَ يا ربِّ! فيقولُ: مَنْ أنْزَلَك في جبَلٍ وسَطَ اللُّجَّةِ، وأَخْرَجٍ لك الماءَ العَذْبَ مِنَ الماءِ المالِح، وأخْرَجَ لكَ كلَّ ليْلَةٍ رُمَّانَةً، وإنَّما تَخْرُج مرَّةً في السنةِ، وسَألْتَهُ أنْ يقْبِضك ساجِدًا ففَعل؟ فيقولُ: أنْتَ يا ربِّ! قال: فذلك بِرَحْمَتي، وبرَحْمتي أُدْخلُكَ الجنَّةَ، أدْخِلوا عبديَ الجنَّةَ، فنِعْمَ العبدُ كنتَ يا عَبْدي! فأدْخلَهُ الله الجنَّة. قال جبريلُ: إنَّما الأشْياءُ بِرَحْمَةِ الله يا محمدُ!" (رواه البيهقي في شعب الإيمان، والحاكم في المستدرك، وضعَّفه الألباني في السلسلة الضعيفة، وضعيف الترغيب).
وللحديث بقية إن -شاء الله تعالى-.