كتبه/ أحمد شهاب
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
فقد انتشرت الأمراض الأخلاقية والجرأة على السب والشتم والألفاظ الفاحشة البذيئة في عددٍ هائلٍ مِن الذين يسمون: بالمشاهير والرموز الجديدة -زعموا!-، وخلفهم أعداد كبيرة تشرَّبوا منهم سوء الأدب وقلة الحياء، ورقة الدِّين، وخفة الورع عن الحرمات.
لا تسل في تلك البيئة المريضة عن حرمة أهل العلم، ولا عن حقوق أهل الإسلام، ولا عن أدب الخلاف حتى مع بعضهم البعض؛ فكل واحد منهم يرى لنفسه الحق المطلق والحقيقة الكاملة؛ فمن خالفه فلا كرامة، ولا عدل ولا إنصاف معه!
وكما يقولون في المثل: "الجواب باين من عنوانه!".
فتجد أحدهم صدَّر عباراته بوابل من السب القبيح والبذاءة المتناهية، ثم هو بعد ذلك يذكر الآيات والأحاديث، ويدلل على خطأ من يخالفهم في المنهج والمواقف!
فتتعجب من تلك الجرأة وعدم المبالاة فيما وقع فيه من دليل واضح على خطأ مسلكه وضعف تدينه، ودنو خلقه وبعده عن مسلك طلبة العلم وأهل الصلاح والدِّين؛ فهو لم يتلقَّ العلم النافع والتربية الإيمانية من أهل العلم الربانيين، مع اعتداد بالرأي، وتصدر مبكر، دون تقويم من شيخ مربٍّ، وبلا توجيه من صديق صالح ناصح، فتعود على البذاءات والقبائح، حتى لم يعد يرى فيه أي منكر، بل قد ينكر على من يستنكر ذلك الأسلوب بلا حياء ولا خجل! وصارت الشهرة عليه وبالًا، مع ذلة للتابع وفتنة للمتبوع.
فأين هؤلاء مِن قول مَن كان خُلُقه القرآن -صلى الله عليه وسلم-: (لَيْسَ المُؤْمِنُ بِالطَّعَّانِ وَلَا اللَّعَّانِ وَلَا الفَاحِشِ وَلَا البَذِيءِ) (رواه الترمذي، وصححه الألباني)، (سِبَابُ الْمُسْلِمِ فُسُوقٌ، وَقِتَالُهُ كُفْرٌ) (متفق عليه)، (وَمَنْ لَعَنَ مُؤْمِنًا فَهُوَ كَقَتْلِهِ، وَمَنْ قَذَفَ مُؤْمِنًا بِكُفْرٍ فَهُوَ كَقَتْلِهِ) (متفق عليه).
إن اللعن والسب والشتم، والفحش في الكلام والطعن في الأنساب؛ كل ذلك ليس من شيم المتقين، لكن إذا نظرت بعين القدر -تقدير العزيز الحميد-؛ وجدت هذا من شهادة الشهيد -سبحانه وتعالى- على خطأ مسلك هؤلاء وجهلهم؛ ليستبين السبيل لكل ذي دين، ويظهر الحق لكل ذي بصيرة!
فإن راجت عليك شبهة من شبهاتهم، أو تشككت بسبب كلمة من كلماتهم، لم تلبث إلا أن تصطدم بأخلاقهم وأحوالهم؛ فتوقن أنهم أبعد ما يكونون عن الحق والعدل والصواب.
نعم نحن نقبل الحق من كل من جاء به، وإن أساء صاحبه التعبير عنه رددنا الإساءة وقبلنا النصح، لكن هذا إن كان حقًّا؛ أما هؤلاء فجمعوا بين خطأ المنهج وسوء التعبير عنه، فنحن لم نَردُد حقًّا في كلامهم لسوء أخلاقهم، بل منهجهم خطأ في نفسه منحرف في ذاته؛ جمعوا معه قبحًا في العبارة وبذاءة في الأسلوب، ودنوًا في الأخلاق مع تزييف وجهل، وإن خلطوه ببعض الحق كعادة أهل البدع والضلال.
لذا فالخطاب هنا ليس موجَّهًا لطالب العلم؛ فإنه يستطيع بفضل الله أن يقيِّم أقوالهم، وينظر في مآلات خطابهم، وخطورة مسلكهم ويعلم ما هم عليه من انحراف وضلال، وأنها السم الزعاف؛ وإن خلطوه بالسمن والعسل!
لكن الخطاب موجَّه لمَن التبس عليه الأمر وتحيَّر أمام الفتن؛ فيكفيه رؤية أخلاق القوم وأحوالهم؛ ليوقن بخطأ سبيلهم، فإن الطائفة المنصورة الظاهرة على الحق لهم سمات وعلامات وأمارات؛ فلا يمكن أن تكون هذه أخلاقهم ولا عباراتهم.
ونحن لا نتحدث عن موقف عابر أو تصرف فردي في ظرف خاص حتى يمكن تأويله والتماس الدليل له، والنظير من بعض المواقف التاريخية النادرة التي لها أبعادها وأسبابها وضوابطها، لكننا الآن أمام ظاهرة بكل ما تحمله الكلمة من معنى، وهذا مما لا يمكن تبريره ولا تمريره بأي حال من الأحوال، فهذا محض منكر ظاهر كبير لا يسع أي متدين إلا أن يقف منه موقف الإنكار والتحذير، والوقوف بكل قوة وحزم أمام أي نبتة أو بادرة لهذا الانحراف الأخلاقي، الخطر على أي منهج ودعوة وأمة.
فـإنما الأمم الأخلاق ما بـقيت فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا
(فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ) (الرعد: 17)، فاللهم اهدنا لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت، واصرف عنا سيئها لا يصرف عني سيئها إلا أنت.