كتبه/ أحمد شهاب
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
(فين شباب زمان؟!)، (فين احترام زمان؟!)، (فين طيبة وخير زمان؟!)، إلخ.
اعتاد عامة الناس على مَرِّ الأزمنة والأعصار؛ خاصة مع كبر السن تذاكر الماضي بأمثال تلك العبارات، لكن أن يصل الأمر أن يُقال: (فين خوارج زمان؟!)؛ فهذا شيء غريب عجيب! وإذا عُرِف السبب بطل العجب.
فلم يكن فكر الخوارج يومًا من الدهر جميلًا، لكن كان الزمان جميلًا؛ حتى إن المبتدعة في ذلك الزمن الأول مع كونهم ضالين مارقين من الدِّين؛ إلا أنهم كان لديهم ما قد تروج به بدعتهم من زهد وعبادة.
وقد يكون مِن المُتفهم أن تكون طبيعة تلك الشخصيات الغالية أن تغلو في كل شيء فيكون تصرفها متسقًا وإن كان منحرفًا، لكن أن يأتي علينا زمان حتى هؤلاء لا نراهم، بل نرى الشخص الواحد يجمع تكفيرًا وكسلًا، وتشددًا وتحللًا، وغلظة وترفًا! فهذا هو العجب العجاب!
فأين أولئك الذين يحقر الرجل الصالح صلاته إلى صلاتهم، وقراءته إلى قراءتهم، وصيامه إلى صيامهم؟!
أين الذين يقومون حتى تتفطر أقدامهم وعلى جباههم كركب الماعز من السجود؛ كلما دخلت معسكرهم سمعت لهم دويًّا كدوي النحل من القرآن؟!
هل ترى عينك في خوارج العصر أثرًا لهؤلاء العُبَّاد الزهاد -فيما يبدو للناس-، مع بدعتهم وضلالهم؟! أم أن حتى هؤلاء لم نعد نراهم؟! نسأل الله العافية لنا ولأمتنا من هؤلاء وأولئك.
هل بقينا في أقوام جمعوا غلوًّا وتكفيرًا، وضلالًا وانحرافًا، مع تحلل وتسيب وتميع؟!
أَحَشَفًا وَسُوْءَ كِيلة؟!
إذا كانوا يميلون للغلو؛ فأين هذا الغلو مع أنفسهم في زهدهم وعباداتهم؟!
أيكونون في أنفسهم كسالى متحيرين، وفي العدوان على غيرهم أقوياء نشطين؟!
أيكونون حمائم أمام الشهوات والشبهات، وصقورًا مع غيرهم من أهل لا إله إلا الله؟!
أين تشددهم هذا في التمسك بالأخلاق الإسلامية ولو في الظاهر؟!
عجباً أن تفتقد يومًا كان أقصى كلمة نابية تسمعها في أبناء العمل الإسلامي: إن فلانًا ضال أو موتور!
عشنا زمنًا كانت حتى الجماعات التكفيرية والصدامية المنحرفة عندما تريد أن تسب وتشتم؛ فإنها لا تلجأ إلا لألفاظٍ محدودةٍ من كلام بعض أهل العلم، استلوها وانتزعوها من سياقها؛ مثل: "فلان أضل من حمار أهله!"، مع مزيج من إساءة توظيف المصطلحات الشرعية في معاركهم؛ مثل: الرمي بالضلال والفسق، والانحراف، والجبن والخور، إلى غير ذلك.
وإذا بالغ أحدهم في السبِّ مستعملًا لفظًا بذيئًا، وإن كان مخففًا جدًّا بالمقارنة بما نسمعه اليوم، اعتبر أن ذلك الذي وقع منه فيه نوعُ تجاوزٍ خطيرٍ؛ اضطره إليه المخالف -في زعمه!- محاولًا التماس المعاذير لذلك الخطأ الكبير!
حتى كُسر ذلك الحاجز فيما جرى قريبًا من فتن وأحداث لم يهتدِ الناس فيها بدين، ولم يرجعوا فيها لعالم، بل صدَّروا أناسًا قليلي العلم والورع من سفهاء الأحلام، حدثاء الأسنان؛ فقادوهم إلى حتفهم وهلكتهم، مع طيش وخفة، وسوء أدب.
فقد خَفَّ الورع وكثر الجهل؛ وانحل كثير من الناس من ضوابط الشرع؛ فحتى الأخلاق الإسلامية لم يعد لها محلًّا من الإعراب عند البعض؛ حتى غاية الألفاظ بذاءة أصبحت تلوكها الألسنة في كل وقت بلا حياء ولا التزام!
فلا يدري الإنسان: أيتعجب من القائل الذي يدعي أنه ملتزم أو طالب علم، أم من المستمع والمتابع والقارئ الذي حتى لم يعد ينكر هذه الألفاظ النابية والطريقة القبيحة ولا حتى بقلبه؟!
فهذه فتاة تَدَّعي أنها ملتزمة، وأخرى يقولون: إنها متخصصة في التربية، وثالث مشهور بالمواعظ والرقائق، ورابع وخامس وسادس... يستعملون ألفاظًا وأساليب لو سمعتها أشد الجماعات التكفيرية منذ زمن قريب؛ لأنكرتها، مع كونهم واقعين في أشد من ذلك، وهو: الرمي بالتكفير، لكن البذاءة كظاهرة لم يكن لها أي مسوغ ولا مبرر عند أي عامل في الحقل الإسلامي مهما كان منحرفًا. وإلى الله المشتكى.
ونكمل في المقال القادم -بإذن الله-.