الموقع الرسمي لفضيلة الشيخ ياسر برهامي
الثلاثاء 13 أغسطس 2024 - 9 صفر 1446هـ

غزة رمز للعزة (14) بين الصهيونية والنازية

كتبه/ علاء بكر

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

فقد أدَّى ما قامت به قوات الاحتلال الإسرائيلية من جرائم حرب فظيعة وعقوبات جماعية، وما اقترفته من مذابح شنيعة، وما خلَّفته من مقابر جماعية، وما دأبت عليه لعدة شهور متتالية من أعمال إبادة جماعية للسكان في قطاع غزة في أعقاب عملية (طوفان الأقصى) - إلى إعادة ما كان يثار ويتداول حول علاقة وتعاون الحركة الصهيونية مع النظام النازي في ألمانيا، وتأثرها به خلال النصف الأول من القرن العشرين الميلادي.

وإذا كان الشائع أن الحكم النازي في ألمانيا قبل وأثناء الحرب العالمية الثانية قد ارتبط بمعاداة اليهود، وأن اضطهاد النازيين لليهود بلغ مداه من خلال إقامة معسكرات لاعتقال اليهود ثم قتل الآلاف منهم فيها، والذي نجحت وسائل الإعلام بعد هزيمة ألمانيا في الحرب العالمية الثانية، وبعد سقوط النازية فيها في تضخيم هذا العداء والمبالغة في تقدير ضحاياه من اليهود، في ظل صمت أو ترحيب من الحلفاء المنتصرين؛ شماتة في الحكم النازي المهزوم، في مبالغة طغت حتى أخفت وراءها حقيقة أخرى حرصت الصهيونية العالمية كل الحرص على إخفائها تمامًا، ومنع أي حديث عنها تتعلق بصور من المساعي للتعاون المشترك بين الحركة الصهيونية وقتها وبين النظام النازي في ألمانيا، وهو ما أثارته، بل وأثبتته العديد من الأرشيفات القضائية والمكاتبات الدبلوماسية في تلك الفترة، وهو ما سعى في إثباته البعض في مؤلفات تناولت وعالجت الجوانب المختلفة لتلك العلاقة المشبوهة بين الصهيونية والنازية، والتي كشفت وأظهرت خفايا مذهلة غابت عن الكثيرين.

ومن تلك الأعمال والجهود المبذولة في هذا الأمر:

- الدراسة التي أعدها (ليني برينر) بعنوان: (الصهيونية في عصر الديكتاتوريين)، وهي من منشورات (كوروين هيلم) - لندن - عام 1983.

- الدراسة من إعداد (لوسي دافيدوفيتش) بعنوان: (الحرب على اليهود)، وهي من منشورات (بانجوين بوكز) عام 1977.

- الدراسة التي أعدها (آري بوبير) بعنوان: (إسرائيل الأخرى)، وهي من منشورات (أنكر بوكز) - نيويورك - عام 1962.

- الدراسة التي أعدها (بن هيكت) بعنوان: (الخيانة)، وهي من منشورات (جوليان نيسنر) - نيويورك - عام 1961.

- كتاب (آنا ارينت) بعنوان (إيخمان في القدس)، وهو من منشورات (فايكنج برس) - نيويورك - عام 1955.

هذا إلى جانب العديد من المؤلفات الأخرى.

لماذا تتعاون الصهيونية مع النازية؟

لقد كان من دأب زعماء الحركة الصهيونية الحديثة -التي تبنت فكرة إنشاء دولة لليهود على أرض فلسطين- منذ نشأتها السعي للاستفادة من كل الأطراف على الساحة العالمية، بلا استثناء ومهما كان هذا الطرف، لتحقيق هدفها الأكبر، من باب أن الغاية تبرر الوسيلة؛ فمنذ مؤسسها (تيودور هرتزل) الذي اتصل بكل الأطراف على الساحة الدولية على ما بينها من اختلافات، بل وتناقضات لإقناع كل منها على حِدَة للتعاون معه لصالح حركته الصهيونية، مع إغراء هذا الطرف أو ذاك بتحقيق مصلحة له من وراء مساعدته في إيجاد أرض لليهود وإقامة دولة يهودية لهم فيها، فكانت محاولات هرتزل الدؤوبة مع: البريطانيين والروس والألمان والإيطاليين، بل ومع الدولة العثمانية. 

كان الهدف الأسمى وقتها هو: تهجير أكبر عدد ممكن من اليهود الأوروبيين عامة والألمان خاصة إلى أرض فلسطين. ومن جانب آخر: كانت النازية في ألمانيا -كغيرها في أوروبا- ممن تعادي اندماج اليهود في المجتمعات الأوروبية، فكان الاشتراك بين الصهيونية والنازية في هذه الغاية يفتح بابًا للتعاون بينهما لتحقيق هذا الهدف المشترك.

كان هدف الحركة الصهيونية وهو دفع أكبر عدد يمكن دفعه من يهود أوروبا عامة وألمانيا خاصة لقبول الهجرة إلى أرض فلسطين والاستيطان فيها، وكان أكثر يهود أوروبا وقتها غير متقبلين لفكرة الحركة الصهيونية تلك في ظل اندماج الكثيرين منهم في المجتمعات الأوروبية، وكان هدف النازية هو التخلص من اليهود الألمان؛ لذا لم تهتم الحركة الصهيونية وهي تسعى لتحقيق حلمها إلا باليهود الفارين من أوروبا عامة وألمانيا خاصة، المتوجهين إلى فلسطين دون غيرهم، فلم تكن الحركة الصهيونية تكترث وقتها باليهود ممن لم تكن وجهتهم فلسطين؛ لذا لم تهتم الحركة الصهيونية وقتها كثيرا بإنقاذ اليهود المعتقلين أو المهددين منهم بالموت، بل بلغ الأمر بالتضحية بهؤلاء اليهود لتحقيق الحلم الأكبر. 

فلقد حاولت بعض الدول الأوروبية أكثر من مرة مساعدة اليهود الراغبين في الفرار من الاضطهاد النازي بنقلهم، ولكن لوجهات أخرى غير فلسطين، ولكن الحركة الصهيونية لم تقبل هذا النقل ليهود أوروبا إلى غير فلسطين. 

ومن أمثلة ذلك:

- سعي الحركة الصهيونية إلى إفشال مؤتمر (أفيان) في فرنسا عام 1938، الذي حضره ممثلون عن كثير من الدول لإنقاذ اليهود من اضطهاد النازية بنقلهم إلى بلدان أخرى آمنة بالنسبة لهم.

- رفض الحركة الصهيونية لعرض جمهورية الدومينيك وقتها باستقبال 100 ألف لاجئ يهودي.

- رفض الحركة الصهيونية اقتراحًا بنقل 300 ألف يهودي، نصفهم إلى بريطانيا، والنصف الآخر إلى أمريكا، رغم موافقة البلدين على ذلك.

- رفض الحركة الصهيونية نقل عشرات اليهود إلى النرويج بعد ما أقر البرلمان في النرويج قانونا يسمح باستقبالهم.

لقد كان هدف الحركة الصهيونية واضحًا لا لبس فيه أنه لا سبيل لإنقاذ اليهود إلا من خلال الهجرة إلى فلسطين دون غيرها. وقد نقل عن (بن جوريون) قوله في تصريح له في عام 1938 أمام زعماء الصهيونية: "لو علمت أنه يمكن إنقاذ كل الأطفال اليهود الألمان بنقلهم إلى انجلترا أو إنقاذ نصفهم فقط بنقلهم إلى أرض إسرائيل (يعني أرض فلسطين) لفضلت الحل الثاني على الأول وأخذت به"؛ "إذ يتعين علينا أن نأخذ في اعتبارنا لا حياة هؤلاء الأطفال وحسب بل كذلك تاريخ شعب إسرائيل" (راجع في ذلك: تاريخ المسألة الفلسطينية، فيصل أبو خضرا، ص 135، 136، موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية، د. عبد الوهاب المسيري - ط. دار الشروق الخامسة، 1/ 201)

ورغم معارضة الحركة الصهيونية تلك؛ فقد فر وهاجر الكثير من يهود أوروبا وقتها إلى دول غير فلسطين فتحت لهم أبوابها؛ منها: روسيا وأمريكا.

- ومما تم الكشف عنه في هذا الشأن: رسالة تم الكشف عنها وُجِدت في أرشيف السفارة الألمانية في أنقرة في مطلع عام 1983 تشير إلى وجود قنوات للاتصال بين منظمة (شترن) الصهيونية الإرهابية وبين مسئولين من النازيين الألمان بهدف التنسيق بين الطرفين، وفي الرسالة عروض للتعاون واردة من (إسحاق شامير) أحد قادة منظمة شترن، وكان اسمه وقتها (إسحاق يرتشينسكي)، تتناول إمكانية التقاء المصالح بين إقامة نظام أوروبي جديد وفقًا للمفاهيم الألمانية النازية وبين تطلعات منظمته الإرهابية.

قضية تفجير الباخرة (باتريا):

غرقت تلك الباخرة (باتريا) وهي تحمل على متنها 252 يهوديًّا أنقذتهم بريطانيا من الألمان، وقد قبلوا جميعًا الانتقال بحرًا والهجرة إلى جزيرة (موريس) في المحيط الأطلنطي، وعند توقف الباخرة في طريقها في ميناء حيفا بفلسطين تعرضت لانفجار أغرقها وأودى بحياة كل من فيها، وارتفعت الأصوات اليهودية بزعم أن يهود الباخرة هم الذين فجروا الباخرة في انتحار جماعي احتجاجًا منهم على عدم السماح لهم بالنزول طبقًا لرغبتهم في فلسطين، واستغلت الصهيونية ذلك الزعم للضغط على الرأي العام الدولي لحمل بريطانيا على التراجع عن قرارها وقتها بتحديد وتقييد الهجرة اليهودية إلى أرض فلسطين، وأيضًا حمل أمريكا على الضغط على بريطانيا في نفس الاتجاه، ثم إنه في عام 1950 -أي: بعد عقد من الزمان- اتضحت الحقيقة أن تفجير تلك السفينة كان بموجب قرار اتخذته المنظمة الإرهابية التي كان يرأسها وقتها (بن جوريون) لإعادة فتح باب الهجرة اليهودية لفلسطين بلا أي قيود (راجع: تاريخ المسألة الفلسطينية، ص 57)

قال الأستاذ فيصل أبو خضرا تعليقًا على هذه الميكافيلية الصهيونية: "فمن يفعل ذلك هل يتردد أمام دير ياسين؟ وهل يتردد أمام كل ما جنته يداه في فلسطين وما حولها؟) (راجع المصدر السابق).

- وأيضًا من أمثلة التعاون مع النازية على حساب اليهود أنفسهم لصالح هدف الصهيونية الأكبر ما كشف عنه المسئول النازي الكبير (إيخمان) أثناء محاكمته في إسرائيل في عام 1955، وذكرته (آنا ارنيت) في كتابها (إيخمان في القدس)، من أن (رودلف كاستنر) نائب رئيس المنظمة الصهيونية تعهد أثناء الحرب العالمية الثانية بنقل 476 ألف يهودي من معتقلات مختلفة إلى معتقل (أوشتز)، وهو معسكر اعتقال في بولونيا يعد رمزًا للقتل الجماعي الذي مارسته النازية الألمانية ضد اليهود والبولونيين، مقابل قيام (إيخمان) بإرسال 1684 يهوديًّا من النخبة اليهودية إلى فلسطين. 

قال الأستاذ فيصل أبو خضرا تعقيبًا على ذلك: "هذه هي الميكافيلية الصهيونية في أغرب صورها، فمن يفعل ذلك مع مئات وآلاف يهود لقاء مساهمة بسيطة في بناء الدولة اليهودية؛ فماذا تنتظر منه أن يفعل معنا نحن العرب؟!) (المصدر السابق، ص 56، 57).

نشأة النازية:

اسم النازية مأخوذ بنوع من الاختصار والتصرف لحركة عرقية شمولية تعني الاشتراكية الألمانية القومية. وهذه الحركة حركة سياسية وفكرية، قادها (أدولف هتلر) وهيمنت على مقاليد الحكم في ألمانيا وعلى المجتمع الألماني بأسره خلال فترة الثلاثينيات. ويعد حزب العمال الألمان هو النواة الأساسية للنازية في ألمانيا، وقد تأسس هذا الحزب في عام 1918 بعد هزيمة ألمانيا في الحرب العالمية الأولى وإذلالها على يد الدول الغربية المنتصرة. 

ويقوم الحزب على عقيدة لها صبغة قومية قوية وطابع اشتراكي، يدعو إلى ملكية الدولة للأرض. وقد أعيد تنظيم الحزب عام 1920 وسمي باسم: (حزب العمال الألماني الاشتراكي القومي)، وترأسه هتلر الذي رأى فيه أعضاء الحزب القدرة على تقويض النظام السياسي القائم على وقف تقدم الشيوعيين، وقد تزايد نفوذ الحزب مع اتساع نطاق الكساد الاقتصادي عام 1929، وسرعان ما حل كتاب (كفاحي) لهتلر محل برنامج الحزب؛ مما أسفر عن تراجع الخطاب الاشتراكي ليحل محله الخطاب النازي الأكثر مادية وتبلورًا. 

وتقدم الحزب النازي بخطى واسعة في بداية الثلاثينيات، حتى بلغ عدد أعضائه نحو المليونين ليصبح الحزب الثاني في ألمانيا. وفي عام 1933 وبتعيين هتلر مستشارًا لألمانيا تحول الحزب النازي إلى الحزب الأوحد المنفرد بالحكم، ليبدأ في عام 1936 خطة السنوات الأربع لإعادة تسليح ألمانيا وإعادة تنظيم الاقتصاد الألماني انطلاقًا من الاعتماد على الذات، وحقق النازيون نجاحًا اقتصاديًّا باهرًا، زاد من التفاف الجماهير حولهم، وقد سيطر هتلر على حزبه سيطرة كاملة، وأصبح رئيسًا للدولة لا ينازعه السلطة أحد، فشرع في تنفيذ مخططه الإمبريالي في الداخل والخارج.

وقد تبنت النازية فيما تبنت من أفكار النظرية العرقية الغربية، التي تقوم على التفوق العرقي للشعب الألماني على كل شعوب أوروبا، ولشعوب أوروبا على كل شعوب العالم، من خلال فكرة الشعب العضوي (فولك) الذي توجد بين أعضائه وحدة عضوية من جهة وبين حضارتهم والأرض التي يعيشون عليها من جهة أخرى، وهي وحدة دائمة لا تنفصم عراها، وتواترت في الخطاب العضوي النازي عبارة (الدم والتربة)، وصارت شعارًا أساسيًّا للنازية تجعل رابطة الدم والأرض الصفتين الأساسيتين اللتين يستند إليهما رقي الجنس الألماني، وانطلاقًا منهما ينصب الشعب الألماني نفسه إلهًا على بقية الشعوب، فدمه وتربته يحويان كل القداسة ويعطيانه حقوقًا مطلقة لا يمكن النقاش بشأنها. 

وقد انعكس ذلك وترجم إلى مفهوم العرق السيد، وهو العرق الآري الألماني الذي سيحتفظ بنقائه العرقي، ويؤسس أمة قدرها المحتوم أن تحكم الأعراق الأخرى الدنيا، وانطلاقًا من هذا وضعت ألمانيا فوق الجميع وأصبح للألمان حقوق مطلقة فيما تصوروا أنه مجالهم الحيوي (راجع في ذلك: الموسوعة - د. المسيري، ص 179).

ولا يخفى أن هذه الأطروحات الأساسية للنازية ليست غريبة على أطروحات الحضارة الغربية الحديثة التي شكلت -وتشكل- الإمبريالية الغربية، والتي استقت منها أيضًا الحركة الصهيونية فكرها كحركة قومية استعمارية نبتت في أجواء هذه الحضارة الأوروبية الحديثة. "وبالفعل حظيت الحركة النازية في البداية بتأييد رأسمالي غربي؛ لأنها كانت تنظر إلى الاتحاد السوفيتي باعتباره العدو الأكبر (السلافي) للحضارة الآرية، ومن ثم كان الرايخ الثالث (الألماني) من هذا المنظور يشكل قلعة ضد الزحف السلافي الشيوعي"، "ثم تحالف الغرب الرأسمالي مع الشرق الاشتراكي ضد هتلر؛ لا دفاعًا عن المبادئ، ولكن لأنه بدأ يهدد مصالحهما معًا" (انظر: موسوعة د. المسيري - 1/ بتصرف)

قال د. المسيري: "إن جوهر الفكر النازي متمثلًا في كتابات أدولف هتلر (وغيره من المفكرين النازيين) لا يختلف كثيرًا عن فكر سير آرثر بلفور صاحب الوعد المشهور (وغيره من الساسة والمفكرين الاستعماريين". فكلٌّ من: هتلر وبلفور، يدور داخل الإطار الإمبريالي العرقي المبني على الإيمان بالتفاوت بين الأعراق، وعلى حل مشاكل أوروبا عن طريق تصديرها، وكلاهما مؤمن بفكرة الشعب العضوي، وكلاهما يرى في اليهود عنصرًا غير مرغوب فيه، ويؤكد من ثم ضرورة وضع حل نهائي للمسألة اليهودية في أوروبا، وكلاهما لا يلتزم بأية منظومة أخلاقية سوى منظومة المنفعة المادية ومنظومة الصراع الداروينية. وقد تم الحل النهائي في حالة بلفور بنقل (ترانسفير) اليهود خارج إنجلترا وأوروبا إلى فلسطين" (انظر: المصدر السابق).

ويضيف د. المسيري: "ولعل أكبر دليل على أن الصهيونية جزء أصيل من الحضارة الغربية: أن الغرب يحاول تعويض اليهود عما لحق بهم على يد النازيين بإنشاء الدولة الصهيونية على جثث الفلسطينيين، وكـأن جريمة أوشفيتس (وهو من أشهر معسكرات الاعتقال للنازيين) يمكن أن تمحى بارتكاب جريمة دير ياسين أو مذبحة بيروت أو مذبحة قانا. وقد أنجزت الصهيونية ما أنجزت من اغتصاب للأرض وطرد وإبادة للفلسطينيين من خلال التشكيل الإمبريالي الغربي، واستخدمت كل أدواته من غزو وقمع وترحيل وتهجير. والغرب الذي أفرز هتلر وغزواته هو نفسه الذي ينظر بإعجاب إلى الغزو الإسرائيلي لجنوب لبنان وبيروت وأنحاء أخرى من العالم العربي. وهو الذي ينظر بحياد وموضوعية داروينية للجريمة التي ارتكبت وترتكب يوميًّا ضد الشعب الفلسطيني" (انظر المصدر السابق، ص 197).

أوجه الشبه بين الصهيونية والنازية:

1- التشابه في خطابهما: "كلاهما يستخدم مصطلحات القومية؛ مثل: الشعب العضوي (فولك)، والرابطة الأزلية بين الشعب وتراثه وأرضه، والشعب المختار". وقد سُئِل هتلر عن سبب معاداته لليهود، فكانت إجابته قصيرة بقدر ما كانت قاسية: "لا يمكن أن يكون هناك شعبان مختاران؛ نحن وحدنا شعب الله المختار! هل هذه إجابة شافية؟!" (الموسوعة - د. المسيري، 1/ 198)

فالصهيونية كالنازية؛ تقوم على أن الرابطة بين اليهود وأرضهم هي رابطة الدم والتربة، ومن ثم تطالب بضرورة العودة إلى فلسطين؛ حيث توجد التربة التي يمكن للدم اليهودي أن يتفاعل معها ويبدع من خلالها.

- استخدام النازيين والصهاينة -على حدٍّ سواء- الخطاب المبني على القوة وإسقاط القيمة الأخلاقية؛ "إذ يستخدم الصهاينة شأنهم في هذا شأن النازيين مصطلحًا محايدًا، فهم لا يتحدثون عن طرد الفلسطينيين، وإنما عن تهجيرهم أو دمجهم في المجتمعات العربية، وهم لا يتحدثون عن الاستيلاء على القدس وإنما عن توحيدها، ولا على الاستيلاء على فلسطين أو احتلالها، وإنما على استقلال إسرائيل، أو عودة الشعب اليهودي إلى أرض أجداده" (المصدر السابق).

2- التشابه في ادعاء النقاء العرقي.

3- الأصول الألمانية للزعماء الصهاينة: فنلاحظ "الأصول الألمانية الراسخة للزعماء الصهاينة الذين صاغوا الأطروحات الصهيونية الأساسية. فـ(تيودور هرتزل) و(ماكس نوردو) و(ألفريد نوسيج) و(أوتو) و(وربورج) كانوا إما من ألمانيا أو النمسا، يكتبون بالألمانية ويتحدثون بها، كما كانوا ملمين بالتقاليد الحضارية الألمانية ويكنون لها الإعجاب"، "وقد غير هرتزل اسمه من (بنيامين) إلى تيودور حتى يؤلمن اسمه، وسمى (ماكس نوردو) نفسه بهذا الاسم؛ لإعجابه الشديد بالنورديين". ولا يختلف زعماء يهود اليديشية عن ذلك، فلغتهم اليديشية هي رطانة ألمانية أساسًا. 

ومن جهة أخرى: كانت الألمانية لغة المؤتمرات الصهيونية الأولى، كما توجه الزعماء النقل الصهاينة أول ما توجهوا لقيصر ألمانيا لكي يتبنى المشروع الصهيوني. وأكد جولدمان أن هرتزل وصل إلى فكرته القومية (العضوية) من خلال معرفته بالفكر والحضارة الالمانيين. وكان كثير من المستوطنين الصهاينة يكنون الإعجاب بالنازية، وأظهروا تفهما عميقًا لها ولمثلها ولنجاحها في إنقاذ ألمانيا، بل عدوا النازية حركة تحرر وطني. وسجل حاييم كابلان، وهو صهيوني كان موجودًا في جيتو وارسو (حين كان تحت الحكم النازي)؛ أنه لا يوجد أي تناقض بين رؤية الصهاينة والنازيين للعالم فيما يخص المسألة اليهودية، فكلتاهما تهدف إلى الهجرة، وكلتاهما ترى أن اليهود لا مكان لهم في الحضارات الأجنبية" (المصدر السابق، ص 199).

معاهدة لنقل النازيين اليهود إلى فلسطين: 

معاهدة (الهعفراه) معاهدة وقَّعها المستوطنون الصهاينة مع النازيين. والهعفراء كلمة عبرية أو الترانسفير، وقد كان الصهاينة الاستيطانيون (اليهود المهاجرون إلى فلسطين) في الثلاثينيات يبحثون عن وسائل لدعم المستوطنين وحماية مصالحهم بأية طريقة، ومن ذلك التعاون مع النظام النازي. وبينما كان صهاينة الخارج التوطينيون (اليهود المندمجون في المجتمعات الأوروبية) وقادة الجماعات اليهودية مشغولين بإنقاذ يهود ألمانيا، ومن ضمن جهودهم تنظيم مقاطعة اقتصادية ضد النظام النازي، وقد شكلت المقاطعة في البداية تهديدًا للنظام النازي حتى تبنى الصهاينة المستوطنون خطتهم لخدمة مصالحهم بالتعاون مع النظام النازي.

وقد تم توقيع الاتفاق عام 1933، ويقضي بأن تسمح السلطات الألمانية لليهود الذين يقررون الهجرة من ألمانيا إلى فلسطين بنقل جزء من أموالهم إلى هناك رغم القيود التي كانت تفرضها ألمانيا على تداول العملة الصعبة، يتم ذلك بتمكين أولئك اليهود من إيداع مبلغ مسموح بتحويله في حساب بنكي في برلين أو هامبورج، واستعماله في شراء تجهيزات وآلات زراعية مختلفة من ألمانيا وتصديرها إلى فلسطين، وهناك يتم بيع هذه البضائع وتسدد بأثمانها المبالغ المستحقة لمودعيها بعد وصولهم إلى فلسطين. 

وقد أفادت المعاهدة النظام النازي بكسر طوق المقاطعة اليهودية للبضائع الألمانية، وأفادت الاستيطان اليهودي بهجرة 52 ألف و300 يهودي إلى فلسطين بين عامي: 1933، 1941 بموجب هذه الاتفاقية، وهذا العدد يشكل 25% من مجموع اليهود المهاجرين إلى فلسطين خلال تلك الفترة. وقد ظلت هذه الاتفاقية سارية المفعول حتى نشوب الحرب العالمية الأولى عام 1939 حيث توقف العمل بموجبها دون أن تلغى رسميًّا. (للاستزادة راجع موسوعة د. المسيري، ص 203 - 205).