كتبه/ إسلام صبري
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
فحينما يطرق سمعك قولُ الله -تعالى-: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ) (البقرة: 186)؛ فإن قلبك يشعر بطمأنينة عجيبة، وتشعر النَّفْس بذلك القرب الذي ذكره الله -عز وجل- عن نفسه في هذه الآية قربًا يليق بعظمة الله -تعالى وتقدس-، فإن الله -عز وجل- أجاب بنفسه -سبحانه-، ولم يقل: فقل إني قريب، وإنما قال -سبحانه-: (فَإِنِّي قَرِيبٌ).
فتولى الله -سبحانه وتعالى- بنفسه الجواب تأكيدًا على ما فيه من قربه -سبحانه وتعالى- من الداعي والسائل والمحتاج، وهذا القرب منه -سبحانه- قرب خاص من هذا الداعي، ليس قربًا عامًا من كل أحد؛ فهو -سبحانه- قريب من داعيه، قريب من عابده، قريب من سائله، وأقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد، وإذا تقرب العبد من ربه شبرًا تقرب الرب -سبحانه- منه ذراعًا فضلًا وجودًا وإحسانًا منه -عز وجل-، وإذا تقرب العبد من ربه العلي ذراعًا تقرب منه الرب الودود باعًا؛ إكرامًا منه -سبحانه- لعبده الذي تقرب إليه، وتفضلًا وإحسانًا منه -عز وجل- عليه.
وحينما رفع الصحابة أصواتهم بالتهليل والتكبير، قال لهم النبي -صلى الله عليه وسلم-: (ارْبَعُوا علَى أنْفُسِكُمْ؛ إنَّكُمْ لا تَدْعُونَ أصَمَّ ولَا غَائِبًا؛ إنَّكُمْ تَدْعُونَ سَمِيعًا قَرِيبًا وهو معكُمْ) (متفق عليه).
فالله -عز وجل- قريب منك أيها الداعي العابد، وإذا تقربت من ربك بتركك للمعاصي والذنوب وبفعلك للطاعات والعبادات، وبالتوبة والاستغفار والندم على ما فات؛ فإن الله -عز وجل- يتقرب منك، وهذا يقتضي محبته -سبحانه وتعالى- لمن تقرب الله -عز وجل- منه، ويقتضي توفيقه لك ما دمتَ محافظًا على القرب منه -سبحانه-، ويقتضي كذلك إجابة دعوتك إذا دعوتَه.
قال -تعالى- في الآية التي معنا: (أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ)، وهي قاعدة ثابتة لا تبديل فيها كما قال -تعالى-: (لَا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ) (يونس: 64)؛ أي: وعد الله لا يتبدل ولا يُخلَف، بل هو مقرر مثبت، كائن لا محالة، فمن دعا اللهَ، استجاب الله دعوتَه ولا بد؛ لا تبديل في هذا الوعد، بفضل الله وكرمه على عباده الداعين.
ولهذه الاستجابة صور كما قال -صلى الله عليه وسلم-: (مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَدْعُو بِدَعْوَةٍ لَيْسَ فِيهَا إِثْمٌ وَلَا قَطِيعَةُ رَحِمٍ، إِلَّا أَعْطَاهُ اللهُ بِهَا إِحْدَى ثَلَاثٍ: إِمَّا أَنْ تُعَجَّلَ لَهُ دَعْوَتُهُ، وَإِمَّا أَنْ يَدَّخِرهَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ، وَإِمَّا أَنْ يَصْرِفَ عَنْهُ مِنَ السُّوءِ مِثْلَهَا). قَالُوا: إِذًا نُكْثِرُ. قَالَ: (اللهُ أَكْثَرُ) (رواه أحمد، وقال الألباني: "حسن صحيح").
فهذه الاستجابة المحققة تكون على الصور الآتية:
الأولى: تحقق عين ما دعا به العبد تحققًا في الدنيا؛ سواء كان لجلب نعمة وسراء، أو لدفع نقمة وضراء.
الثانية: أن يدخرها الله -عز وجل- له في الآخرة أجرًا له يوم القيامة؛ إما بعلوٍّ في الدرجات، وإما بتكفير للخطايا والسيئات.
الثالثة: أن يدفع الله -سبحانه- عنه من السوء مثلها، وفي رواية: "يكفر عنه من ذنوبه بقدر ما دعا"، والذنوب من السوء الذي يسوء الإنسان.
هذا فضل كبير، وثواب عظيم، لا ينبغي أن يفرط فيه المسلم، بل عليه الاستزادة منه؛ لذا قال الصحابة الكرام -رضوان الله عليهم-: "إِذًا نُكْثِرُ"؛ أي: من الدعاء وسؤال الله الحاجات، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (اللهُ أَكْثَرُ)؛ أي: عطاؤه -سبحانه- أكثر عند كل دعوة يدعو بها العبد يريد الخير، فمهما أكثر العباد من الدعاء؛ فعطاؤه -سبحانه- لا ينفد، ولا ينتهي، بل عطاؤه كثير غير محدود؛ ولهذا قال أمير المؤمنين عمر: "إني لا أحمل هم الإجابة، ولكن هم الدعاء، فإذا ألهمت الدعاء فإن الإجابة معه"؛ أي: الذي ينبغي أن يشغل بالنا هو الدعاء لا الإجابة، الذي ينبغي أن نحمل همَّه هو الدعاء لا الإجابة، فإنها -الإجابة- تكون مع الدعاء؛ وعد الله الذي لا يتغير (أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ).
وحمل هم الدعاء يكون:
- بتذكره وعدم نسيانه.
- ألا يكون بإثم أو قطيعة رحم.
- ?أن يطيّب الإنسان مالَه؛ مطعمه، ومشربه، وملبسه.
- ?ألا يعجل؛ يقول: دعوتُ فلم يستجب لي.
فدلتنا الآية الكريمة على: قربه -سبحانه- من الداعي قربًا يليق بعظمته وجلاله، وأن الإجابة مع الدعاء لا محالة بصورها المختلفة، فهو وعد الله الذي لا يتخلف، إذا حققنا شروط الدعاء؛ مِن: عدم العجلة، وتطييب المطعم، وألا يكون الدعاء بإثم، ولا قطيعة رحم.
فأكثروا يا عباد الله من الدعاء، فعطاء الله وكرمه أكثر.