كتبه/ علاء بكر
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
فمن أوجه التشابه العديدة بين حرب السادس من أكتوبر 1973 (العاشر من رمضان 1373هـ) وطوفان الأقصى في السابع من أكتوبر 2023 (22 ربيع الأول 1445هـ) الدور الكبير غير العادي الذي قامت به الولايات المتحدة الأمريكية في إنقاذ إسرائيل في تلك الكارثتين العظيمتين؛ ففي حرب أكتوبر عقب تخطي القوات المصرية لخط بارليف وإسقاطه في بدايات المعركة، ثم فشل الهجوم الإسرائيلي المضاد في الثامن من أكتوبر، وما ترتب على ذلك من فقد الجيش الإسرائيلي لجزء كبير من دباباته ومدرعاته وطائراته؛ سارعت الولايات المتحدة بتعويض إسرائيل عن كل خسائرها في الدبابات والمدرعات والطائرات، بل وإمدادها بأحدث الأسلحة الأخرى الموجودة في ترسانتها، عن طريق جسر جوي سريع لتصل إمداداتها إلى ساحة المعركة في سيناء مباشرة!
إلى جانب تقديم كل خبراتها العسكرية ومعلوماتها الاستخبارية المتعلقة بتطورات المعركة الدائرة على كل القطاعات في سيناء أولًا بأول، وهو ما ساهم في بقاء إسرائيل رغم الهزيمة الفادحة التي تمت في أيام الحرب الأولى وكانت تنذر بسقوط الجبهة الجنوبية لإسرائيل بالكلية، بل ساهم ذلك في تكرار محاولات القوات الإسرائيلية لزحزحة القوات المصرية شرق القناة وإعادتها لغرب القناة، والتي أسفرت عن حدوث ثغرة الدفرسوار.
وبعد أحداث الثغرة ومحاصرة عشرات الآلاف من القوات الإسرائيلية الموجودة غرب القناة والتخطيط لتصفية الثغرة ومَن فيها بالقوة العسكرية، سارع هنري كيسنجر وزير خارجية أمريكا وقتها بالتهديد بالتدخل العسكري الأمريكي المباشر لإنقاذ القوات الإسرائيلية غرب القناة، وانتهى الأمر بمفاوضات فض الاشتباك، وما تلاها من انسحاب القوات الإسرائيلية من غرب القناة.
وفي أعقاب طوفان الأقصى الذي تسبب في صدمة كبيرة لإسرائيل ترتَّب عليها تأثر الاقتصاد الإسرائيلي نتيجة تأثر السياحة، وارتفاع الهجرة إلى خارج إسرائيل، وتأثر القوة العاملة من جراء استدعاء مئات الألوف من قوات الاحتياط من أعمالهم المدنية، والدخول بهم في حرب برية طويلة مكلفة، وتأثَّر الإنتاج القومي بذلك؛ مما ترتب عليه انخفاض قوة العملة الإسرائيلية بشدة؛ فسارعت الولايات المتحدة إلى تقديم العون المادي والعسكري بسخاء لتعويض إسرائيل كل ما خسرته، ولزيادة قدرات إسرائيل على الاستمرار في عدوانها الغاشم على قطاع غزة، واستخدام أمريكا نفوذها في الأمم المتحدة أربع مرات لمنع صدور أي إدانة لإسرائيل في حرب إبادتها ضد الفلسطينيين، أو وقف تماديها في قتل وتشريد الفلسطينيين.
وهنا يكمن السؤال: لماذا تتبنى الولايات المتحدة الحفاظ على وجود إسرائيل ودعمها عبر عقود؛ خاصة في حروبها وأزماتها؟ ولماذا تعتبر استمرار وجود إسرائيل وسلامتها واجبًا عليها؟
نحاول هنا بيان الجواب على ذلك:
إسرائيل دولة وظيفية:
دأبت سياسات بعض الدول أنها تخصص مجموعة بشرية من داخل المجتمع تسند إليها مهامًا أو وظائف أو أعمالًا، لا يمكن للدولة الاضطلاع بها في سياستها المعلنة؛ لكونها قد تكون في نظر المجتمع والدول الأخرى ككل والمجتمع الدولي وظائف ومهام مشينة، لا تحظى بالاحترام في سلم القيم والأخلاق السائدة، والمجتمع ككل يريد الحفاظ على قيمه ومثله، وقد يكون اللجوء إلى تلك المجموعة؛ لسد فجوة، أو تحقيق رغبة أو حاجة لا يمكن إشباعها والوفاء بها من خلال سياسات الدولة المعلنة؛ لكونها مشينة لها، وغالبًا ما تكون هذه الوظائف والمهام ذات حساسية خاصة أو يكون لها طابع أمني.
وبالطبع يتوارث أعضاء هذه المجموعة الوظيفية خبراتهم في مجالهم الوظيفي ويتوحدون معها، وتكون لهم بذلك هويتهم ورؤيتهم الخاصة للأمور؛ يتعاملون ويعاملون بمقتضاها، ويتقبل المجتمع هذه المجموعة الوظيفية من خلال وظيفتهم تلك، ورؤيتهم ذات البعد الواحد المجرد بعيدًا عن الأبعاد الأخرى الأخلاقية أو الإنسانية أو المثالية.
وبالتالي تكون علاقة المجتمع بتلك المجموعة علاقة نفعية تقوم على الحياد والوقوف على مسافة منها، بينما تكون العلاقة قريبة وقوية بين النخبة الحاكمة وتلك المجموعة؛ لذا فهي تدعمها بما يضمن لها الاستمرارية والبقاء والتفوق، وفي المقابل: فإن هذه المجموعة يكون ولاؤها التام دائمًا لهذه النخبة الحاكمة، وهي وسيلة وأداة لتلك النخبة لخدمة مصالحها بوسائلها التي قد تكون وسائل مشينة لا يمكن أن تمارسها الدولة في سياساتها المعلنة أمام الجميع.
وبالتالي يعد تحقيق المنفعة والمصلحة بوجود تلك المجموعة مبررًا كافيًا لوجودها ودعمها لاستمرار دورها، والعضو في هذه المجموعة يصير جزءًا منها يحمل هويتها ورؤيتها، وهو في نفس الوقت أداة من أدوات النخبة الحاكمة لتحقيق أهداف تراها تلك النخبة دون أن تتورط فيها بصورة معلنة.
وعلى هذا النحو تعمل الدول الاستعمارية على المستوى العالمي، فتوظف فئة في دولة ما، أو توظف دولة في منطقة ما، تقوم بإيجادها ودعمها وتضمن لها البقاء والقوة لتحقيق مصالح متبادلة لا تحدث إلا من خلال وسائل لا أخلاقية أو مشينة ليس من مصلحة تلك الدولة ممارستها بصورة معلنة وصريحة، فيتم ممارستها وتحقيقها عن طريق فئة أو دولة عميلة.
ومن ذلك: استغلال الدول الاستعمارية وجود الأقليات في بعض الدول لتحويلها إلى مجموعة وظيفية تدين لها بالولاء وتحقق لها مصالحها، وتضمن هي لها البقاء والقوة، تثير المشاكل وتحدث الانشقاقات، وتضعف من شأن الدولة التي تعيش فيها.
قال دكتور عبد الوهاب المسيري: "ويحاول الاستعمار دائمًا أن يحول أعضاء الأقليات إلى جماعات وظيفية يسندها إليها، وتتمتع بمزايا تقدمها لها حتى تدين له بالولاء" (موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية - د. عبد الوهاب المسيري - دار الشروق - ط. الخامسة 2009 - المجلد الأول، ص 28).
وتعد دولة إسرائيل المقامة على أرض فلسطين العربية مثالًا واضحًا للدولة الوظيفية التي أوجدها ودعمها ويدعمها الاستعمار بقوة؛ سواء الاستعمار في ثوبه القديم (إنجلترا) أو في ثوبه الجديد (الولايات المتحدة).
قال د. عبد الوهاب المسيري عن الدولة الوظيفية: "يرتبط بمفهوم الجماعة الوظيفية مفهوم الدولة الوظيفية، والدولة الوظيفية هي الدولة التي تؤسس أو يعاد صياغة توجهها أو توجه نخبتها الحاكمة لتضطلع بوظيفة معينة، ويصبح جوهرها هو هذه الوظيفة؛ فالدولة الوظيفية هي الدولة التي تشكل إعادة إنتاج لدور الجماعة الوظيفية في العصر الحديث" (المصدر السابق).
ثم يضيف د. عبد الوهاب المسيري إلى كلامه تعريفه للدولة الصهيونية الوظيفية -يعني إسرائيل- بقوله: "الدولة الصهيونية الوظيفية دولة تتسم بكل سمات الجماعة الوظيفية، فهي تدخل في علاقات تعاقدية مع الغرب (خدمة المصالح الغربية نظير أن يقوم الغرب بحمايتها)، وهي دولة (جيتو / قلعة منعزلة) عن محيطها الحضاري ذات رؤية حلولية كمونية، فهي تتصور أنها منفصلة عن الزمان والمكان، ولديها إحساس عميق بتفوقها ورسالتها المقدسة، تتبنى أخلاقيات مزدوجة في علاقاتها مع الذات، ومع الآخر" (المصدر السابق).
عجز الدولة الوظيفية:
تحتاج الدولة الوظيفية إلى راعٍ يحميها، ويكفل لها أمنها ومستواها المعيشي نظير أن تقوم هي على خدمته ورعاية مصالحه ضد أعدائه.
قال د. عبد الوهاب المسيري: "وظلت إنجلترا الراعية الأساسية الشاملة للجيب الصهيوني، توظف الدولة الوظيفية لحسابها ولحساب الحضارة الغربية، وحينما بدأت الولايات المتحدة قيادة التشكيل الاستعماري الغربي تراجع الدور الإنجليزي، وأصبحت الولايات المتحدة راعية الجيب الوظيفي الإسرائيلي ومظلته الواقية"، و"تقوم الدولة الراعية بدعم الدولة الوظيفية حتى يمكنها الاستمرار في وظيفتها بكفاءة"، "وقد تزايد الدعم الأمريكي لإسرائيل إلى أن أصبحت الدولة الوظيفية معتمدة تمامًا عليها"، "وقد أصبح حجم هذه المساعدات من الضخامة بحيث تتضاءل بجواره المساعدات التي يرسلها يهود العالم" (المصدر السابق - المجلد الثاني، ص 384، 385 بتصرفٍ).
ويضيف: "ورغم هذا الاعتماد الكلي على الدولة الراعية تتمتع الدولة الوظيفية الصهيونية بقدر من الاستقلال النسبي، وقد يبدو هذا لأول وهلة وكأنه تناقض، ولكن التناقض سيختفي تمامًا إن تذكرنا أن الاستعمار الاستيطاني الصهيوني لا يشكل جزءًا عضويًّا من الاستعمار الغربي، وإنما هو مجرد آلة في يد الغرب"، "وقد قام الصهاينة بطرد الفلسطينيين فعلًا وأنشأوا دولتهم الصهيونية المستقلة، ولكن التطورات التاريخية أظهرت أن الجيب الصهيوني يعتمد على قوة غربية عظمى اعتمادًا كاملًا، ولكنه في الوقت نفسه يتمتع بدرجة كبيرة من الاستقلال؛ مثل هذا الوضع الشاذ يمكن إرجاعه إلى عدة عوامل خاصة بالصهيونية وحدها، فالمستوطنون الصهاينة لم ينشئوا في دولة أوروبية واحدة يدينون لها وحدها بالولاء، وتقدم هي لهم بدورها الحماية والمأوى في حالة تصفية الجيب الاستيطاني"، "فالعلاقة بين المستوطنين الصهاينة والدولة الغربية التي ترعاهم تستند إلى المصلحة المشتركة، فهي علاقة تعاقدية نفعية، وليست نتاج روابط حضارية عميقة أو عضوية؛ ولذا فإن الجيب الصهيوني لا يتمتع بالحماية الدائمة من جانب دولة واحدة، وإنما يتمتع بالحماية المؤقتة من جانب عدد من الدول (الواحدة تلو الأخرى)؛ ولعل هذا يفسر سبب انتقال القيادة الصهيونية من مركز جذب إلى آخر، ولكن بسبب هذا الوضع نفسه حقق الجيب الاستيطاني قدرًا كبيرًا من الاستقلال" (المصدر السابق، ص 385 بتصرفٍ).
"هذا الإيقاع المركب من الجذب والتنافر، من الحكم الذاتي والاعتماد المذل، ومن التحالف مع الدولة الحامية والصراع معها، هو الذي ميَّز العلاقات الصهيونية الغربية منذ البداية. وقد حاول كل جانب أن يستغل الآخر، وأن يحدد منطقة المصالح المشتركة بطريقة تخدم مصالحه هو أساسًا، فالصهاينة لم يتمكنوا من اكتساب موطئ قدم في الأرض الفلسطينية إلا من خلال وعد بلفور والانتداب البريطاني"، "ولم يشدد المستوطنون الصهاينة قبضتهم على الأرض ولم يتزايد عددهم إلا بعد تعاونهم الكامل مع حكومة الانتداب، وهو الأمر الذي أدى في نهاية الأمر إلى الانتصار الصهيوني عام 1948؛ أي: أن الراعي الإمبريالي لعب دوره كاملًا تجاه الجماعة الوظيفية الاستيطانية حتى تحولت إلى دولة وظيفية استيطانية" (المصدر السابق، ص 385 -386).
"ويعقد الموقف تمتع يهود العالم بدرجة من الاستقلال النسبي، وإن كانوا يشكلون في الوقت نفسه جزءًا من كيان أكبر يخضعون لقوانينه وتوجيهاته؛ فالأمريكيون اليهود يمدون إسرائيل بالمساعدات المالية والسياسية بحماس شديد، ولكن مثل هذه المساندة ستستمر ما دامت هناك مصالح مشتركة أساسية بين الولايات المتحدة وإسرائيل، ويلعب الصهاينة التوطينيون دورًا مزدوجًا، فهم يقومون بالضغط على الولايات المتحدة لتحصل إسرائيل على درجة من الحرية والاستقلال أكثر من أي دولة أخرى تابعة، ولكنَّ هؤلاء التوطنيين كثيرًا ما يجدون أنفسهم مضطرين في مرحلة ما (وهنا تكمن سخرية الموقف) إلى أن يمارسوا الضغط على إسرائيل عندما تقرر الولايات المتحدة أنه ينبغي على إسرائيل أن تغير سياستها بطريقة تتماشى مع المصالح الدولة الأمريكية.
إن تاريخ الصهيونية مليء بالتوترات؛ ليس بين الصهيونية ويهود العالم فحسب، ولكن بين الصهيونية الاستيطانية والصهيونية التوطينية كذلك. ومهما يكن الأمر فإن علاقة الشد والجذب تبين مدى تعاقدية العلاقة ونفعيتها" (المصدر السابق، ص 386).
مختصر تاريخ التحالف الأمريكي الإسرائيلي:
قال د. المسيري: "لا شك أن القوى الاستعمارية هي التي تبنت المشروع الصهيوني، وتكفلت برعايته ووفرت له كل أسباب النجاح. وحتى الحرب العالمية الثانية كانت أوروبا هي القاعدة المركزية للنشاط الصهيوني، وكانت بريطانيا الدولة العظمى التي تقود عملية إنشاء الدولة الصهيونية في فلسطين؛ أما بعد التحولات التي أخذت تتبلور مع الحرب العالمية الثانية فإن النشاط الصهيوني سارع في الانتقال إلى الولايات المتحدة الأمريكية مركز القوة الجديد في الغرب، فكانت الولايات المتحدة أول دولة تعترف بإسرائيل بعد دقائق من إعلان قيامها في 15 مايو 1948.
وقد أيدت الإدارات الأمريكية المتعاقبة موقف إسرائيل من الصراع العربي الإسرائيلي باستثناء العدوان الثلاثي سنة 1956، ولكن الدعم العسكري والاقتصادي ظل متواضعًا حتى منتصف الستينيات، حيث كانت إسرائيل تعتمد على التعويضات الألمانية من الناحية الاقتصادية وعلى السلاح الفرنسي من الناحية العسكرية، وبدأ التبدل النوعي في العلاقة بين الطرفين مع تولي (لندن جونسون) رئاسة الولايات المتحدة في وقت أصبح من الواضح فيه أنها وريثة الإمبراطوريات الاستعمارية القديمة وزعيمة العالم الغربي في عالم ما بعد الاستعمار.
وبذلك انطوت حقبة كاملة من السياسة التي تميزت بالتوازن النسبي أحيانًا أو الانحياز المحدود المقتصر على مؤسسة الرئاسة كما في ولاية (ترومان). وبدأت حقبة مختلفة مع جونسون اتسمت بالانحياز الجارف إلى إسرائيل على جميع المستويات الرئاسية والحكومية وبخاصة بعد حرب 1967، حيث أصبحت الولايات المتحدة المورد الأساسي للسلاح لإسرائيل.
وفي عهد (رونالد ريجان)، قطعت هذه العلاقة مسافة أخرى على طريق التنسيق الإستراتيجي المتكامل، حيث تم توقيع اتفاقية التعاون الإستراتيجي لسنة 1981. وبعد أسابيع من توقيعها أعلنت إسرائيل ضم مرتفعات الجولان السورية، وبعد عام واحد على وجه التحديد في يونيو 1982 قامت إسرائيل باجتياح لبنان، ثم انضمت عام 1983 إلى مبادرة الدفاع الإستراتيجي الأمريكية، وتم توقيع اتفاقية إستراتيجية أخرى بين الولايات المتحدة وإسرائيل حصلت بموجبها إسرائيل على مكاسب جديدة، وفتحت أمامها آفاق جديدة من التعاون والمساعدات الأمريكية، فقد تكفلت الولايات المتحدة في هذه الاتفاقية بأن تقوم وزارة الدفاع الأمريكية بشراء ما قيمته 200 مليون دولار سنويًّا من إسرائيل، كما سمحت للشركات الإسرائيلية بدخول المناقصات التي تجريها وزارة الدفاع الأمريكية من أجل الحصول على عقود صنع السلاح، كذلك حصلت إسرائيل على تعهد أمريكي بمدها بالمعلومات التي تحصل الولايات المتحدة عليها في الشرق الأوسط عن طريق الأقمار الصناعية.
وفي عام 1985 وقعت الحكومتان اتفاقية تم بمقتضاها إلغاء التعريفة الجمركية بينهما؛ أي: قبل سبع سنوات من إبرامها اتفاقية مماثلة مع جارتيها كندا والمكسيك. واستمرت إدارة الرئيسين بوش وكلينتون في دعم إسرائيل"، "وفي يناير 1986 أعلن عن قيام حلف دفاعي بين إسرائيل والولايات المتحدة يستند إلى مجموعة متنوعة من الخدمات المميزة التي يمكن أن توفرها إسرائيل للولايات المتحدة باعتبارها رصيدًا إستراتيجيًّا.
وهي تتمثل في:
- الموقع الجغرافي: فإسرائيل قاعدة انطلاق مثالية للقوات الأمريكية إذا هددت مصالح الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، وهي منطقة مهمة من الناحية الجيوبوليتيكية؛ بسبب ما يحويه من نفط ورؤوس أموال وأسواق. ومن المعروف أن نقل قوة لها شأنها إلى هذه المنطقة يستغرق عدة أشهر، أما مع وجود إسرائيل كحليف فإنه لا يحتاج إلى بضعة أيام.
- البني التحتية والمواصلات والاتصالات: تستطيع القوات الأمريكية استخدام القواعد الجوية والبحرية والبرية الإسرائيلية، إما لهدف عسكري مباشر أو عمليات الإسناد أو كقواعد وسيطة.
- البحث والتطوير والاستخبارات: يمكن أن تستفيد القوات الأمريكية من الخبرات الحية للتجربة العسكرية الإسرائيلية، ومن المعلومات التي جمعتها إسرائيل عن المنطقة.
- القدرة الدفاعية: يمكن استخدام القدرات العسكرية الإسرائيلية لحماية قوة تدخل أمريكية في الشرق الأوسط؛ خصوصًا أن سلاح الجو الإسرائيلي يسيطر على المجال الجوي".
"ويترتب على هذه العناصر تحقيق وحدة المصالح الإسرائيلية الأمريكية، وخصوصية علاقتهما وتفردها، باعتبار إسرائيل موقعًا أمريكيًّا متقدمًا في منطقة الشرق الوسط.
وفكرة إسرائيل رصيد إستراتيجي للولايات المتحدة لا تنفصل عن الصراع العربي الإسرائيلي، فالخبرات والقدرات السابقة لم تكتسبها إسرائيل إلا بانغماسها في ذلك الصراع، كما أن تصاعد الصراع واحتدامه؛ أدَّى إلى زيادة الروابط العسكرية والإستراتيجية بين البلدين" (المصدر السابق، ص 380-381).
الدعم الأمريكي هو الراعي لإسرائيل:
تطورت المساعدات الأمريكية لإسرائيل وتصاعدت خلال السبعينيات والثمانينات، وقفزت خاصة بعد حرب 1967 قفزة كبيرة حتى بلغت 3 مليار دولار سنويًّا تقريبًا؛ طبقًا للإحصائيات الأمريكية الرسمية، منها: 1.8 مساعدات عسكرية، و1.2 مساعدات اقتصادية.
وقد أخذت هذه المساعدات منذ الثمانينيات طابع المنح بدلًا من القروض، وتشير بعض التقديرات إلى أن إجمالي ما حصلت عليه إسرائيل من معونة أمريكية حتى عام 1996 يبلغ 78 مليار دولار؛ منها ما يزيد عن 55 مليار دولار منحة لا ترد، بينما ترفع بعض التقديرات الأخرى مبلغ المعونة الفعلية إلى أعلى من هذا بكثير.
ولا تكشف هذه الأرقام بطبيعة الحال عن حجم المساعدات غير الحكومية التي تتلقاها إسرائيل من أفراد ومؤسسات داخل الولايات المتحدة الأمريكية، والتي أصبحت منذ منتصف السبعينيات ثاني أكبر مصدر لتدفق الأموال الخارجية على إسرائيل بعد الحكومة الأمريكية؛ ففي الولايات المتحدة توجد حوالي 200 مؤسسة تعمل في مجال جمع التبرعات لإسرائيل، وتشير بعض التقديرات إلى أن المساعدات التي حصلت عليها إسرائيل من مصادر غير حكومية في الفترة من 1948 إلى 1986 قد بلغت 24.5 مليار دولار؛ منها: 6.5 مليار مساعدات أفراد، و11 مليار مساعدات من مؤسسات و7 مليارات قيمة سندات دولة إسرائيل.
وقد قدمت كل تلك المساعدات لدولة عدد سكانها أقل من خمسة ملايين، وتقدر حصة الفرد الإسرائيلي من المساعدات الأمريكية ما بين 1600 إلى 2000 دولار سنويًّا دون حساب عوائد الدعم الاقتصادي والتكنولوجي والعلمي والعسكري والسياسي (راجع المصدر السابق، ص 382، 383).
والدولة الصهيونية تعد في حالة حرب دائمة تلتهم جزءًا كبيرًا من ميزانية الدفاع والأمن، وهو ما يشكل استنزافًا اقتصاديًّا دائمًا، كما أن عمليات بناء المستوطنات تتطلب أيضًا ميزانيات ضخمة؛ خاصة وأن بناء هذه المستوطنات لا يخضع بالضرورة لمقاييس الجدوى الاقتصادية الصارمة، وإنما يخضع لمتطلبات الاستيطان، وهو ما يسبب إرهاقًا ماليًّا كبيرًا.