كتبه/ أحمد يحيي وزير
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
فلا يمر وقت طويل حتى نسمع عن خبر مزعج مؤلم، يفيد بغرق عشرات الشباب المسلم في عرض البحر الأبيض المتوسط على سواحل البلاد الأوروبية، والتي يحاول الشباب التسلل إلى حدودها عبر هجرات جماعية غير شرعية عبر سفن متهالكة لا تصلح لحمل عشر هذا العدد من الشباب، فضلًا عن قطع مئات الأميال البحرية في عرض البحر في رحلة محكوم على غالب الظن بالموت على أفرادها، مما دفع بخفر سواحل بعض هذه الدول إلى محاولات متعمدة لقتل هؤلاء الشباب عبر إغراقهم في عرض البحر على مرأى ومسمع من حكومات العالم الغربي التي تنادي ليل نهار بمراعاة حقوق الحيوان، مع أن الأولى عند حدوث التعارض المحافظة على حقوق الإنسان الذي كرمه الله -عز وجل- بقوله: (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ) (الإسراء: 70).
وفي نظري: أن هذا المصير الذي يلاقيه بعض هؤلاء بالموت غرقًا قبل وصولهم، قد يكون أهون مما قد يلاقيه بعضهم أو كثير منهم بعد وصولهم إلى هذه البلاد، وقد يستغرب القارئ بعض الشيء من هذه المقدمة التي نقرر فيها أن الموت على الإسلام أهون بكثير وأفضل من الحياة على الكفر بالله رب العالمين، فقد شاهدنا وغيرنا انحراف كثير ممَّن أقاموا هناك فرجعوا بغير ما ذهبوا به؛ رجعوا فُساقًا، وبعضهم رجع مرتدًا عن دينه وكافرًا به -والعياذ بالله-، حتى صاروا إلى الجحود المطلق والاستهزاء بالدين وأهله السابقين منهم واللاحقين.
بل ومن العجيب في هذه الأيام إرسال كثير من الآباء لأبنائهم للحصول على شهادة دنيوية: كالطب والهندسة من بلاد غير إسلامية؛ لعدم تمكنهم من الحصول على المجموع الذى يؤهلهم للحصول على هذه الشهادات في بلادهم، فيذهب هذا المراهق المسكين إلى بلد لا يعرف فيه أحدا ليواجه هذا الطوفان الهائل من الشهوات والشبهات التي قلما مَن ينجو منها ليعود المسكين إلى بلده بجلد غير الجلد الذي ذهب به إلا مَن رحم ربي، وما درى هؤلاء أن الأمي الذى يحسن كيف يوحِّد ربه أفضل عند الله من ملْء الأرض من الملحدين وإن حصلوا أعلى الشهادات الدنيوية، وقد قال -تعالى- واصفًا إياهم بالجهل: (يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِّنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ) (الروم: 7).
ولهذا كان ينبغي، بل يتعين التحفظ من ذلك ووضع الشروط التي تمنع من الهُوِيِّ في تلك المهالك؛ لذا قرَّر أهل العلم أن الأصل في الإقامة في البلاد غير الإسلامية عدم الجواز إلا بشروط، وهي:
(1) أن يكون لديه العلم الذي يدفع به الشبهات التي ستعرض عليه ليل نهار.
(2) أن يكون لديه الدين الذي يدفع به الشهوات.
(3) أن تكون هناك مصلحة راجحة لهذا السفر، فقد تكون مصلحة الشرعية مصلحة عامة كالسفر للدعوة إلى الله -عز وجل- لنشر دين الإسلام في بلاد الغرب أو لتعليم المسلمين من أهل هذه البلاد ما وجب عليهم من أحكام الإسلام، وقد تكون مصلحة شرعية خاصة كتعلم بعض أنواع العلوم التي لا توجد في بلاد المسلمين، أو إذا دعت الحاجة إلى ذلك كالعلاج، ونحو ذلك.
(4) أن يتمكَّن من إظهار دينه بحيث يقوم بشعائر الإسلام بدون ممانع، كالحجاب للنساء مثلا، ولا يمنع من إقامة الصلاة والجمعة والجماعات إن كان معه مَن يصلي جماعة ومَن يقيم الجمعة، ولا يمنع من الزكاة والصيام والحج، وغيرها من شعائر الدين، وأن يتمكن مِن أن يأمر ولده بالمعروف، وأن ينهاه عن المنكر وأشك في قدرته على هذا.
وللحديث بقية -إن شاء الله-.