كتبه/ أحمد مسعود الفقي
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
فلا يخفى تأثير مخالطة الكلاب على الإنسان من نواحٍ عدة:
أولها: ضياع دينه:
فإنه ينقص من عمله كل يوم قيراط، وفي رواية: "قيراطان"، فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (مَنْ أَمْسَكَ كَلْبًا فَإِنَّهُ يَنْقُصُ كُلَّ يَوْمٍ مِنْ عَمَلِهِ قِيرَاطٌ، إِلاَّ كَلْبَ حَرْثٍ أَوْ مَاشِيَةٍ) (رواه البخاري).
وعن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- قال: سمعتُ النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: (مَنْ اقْتَنَى كَلْبًا إِلَّا كَلْبًا ضَارِيًا لِصَيْدٍ أَوْ كَلْبَ مَاشِيَةٍ، فَإِنَّهُ يَنْقُصُ مِنْ أَجْرِهِ كُلَّ يَوْمٍ قِيرَاطَانِ) (رواه البخاري).
والقيراط من الموازين القليلة، وهو عند العرب: نصف سدس درهم، أو نصف عشر دينار، وهذا أمر معلوم عند العرب، وسار عليه العلماء.
وقد ذكر ابن عقيل الحنبلي، ووافقه عليه ابن الجوزي، وابن القيم، والحافظ ابن حجر، والسيوطي أن: (قيراط كل شيء بحسبه)، فإن كان الكلام عن المال؛ فنصف سدس درهم، وإن كان الكلام عن الأعمال؛ فنصف سدس أجرها، فمن اقتنى كلبًا، ليس كلب صيد، أو حرث، أو زرع، أو ماشية؛ فإنه ينقص مِن أجر عمله كل يوم نصف سدس هذا الأجر.
ثانيها: ضياع أخلاقه:
فإنه يتأثر بأخلاق الكلب فتنضح عليه، فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: (رَأْسُ الْكُفْرِ نَحْوَ الْمَشْرِقِ، وَالْفَخْرُ وَالْخُيَلَاءُ فِي أَهْلِ الْخَيْلِ وَالْإِبِلِ الْفَدَّادِينَ أَهْلِ الْوَبَرِ، وَالسَّكِينَةُ فِي أَهْلِ الْغَنَمِ) (متفق عليه).
وتخصيص الخيلاء بأصحاب الإبل، والوقار بأهل الغنم، يدل على أن مخالطة الحيوان تؤثِّر في النفس، وتتعدى إلى هيئاتٍ وأخلاقٍ تناسِب طباعها، وتلائم أحوالها؛ ولهذا قيل: "الصحبة تؤثر في النفس"؛ فلها تأثير قوي على الإنسان من ناحية اكتساب الطباع والسلوك.
عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: (الْمَرْءُ عَلَى دِينِ خَلِيلِهِ، فَلْيَنْظُرْ أَحَدُكُمْ مَنْ يُخَالِلْ) (رواه أبو داود والترمذي، وحسنه الألباني)، فالمرءُ يشابِهُ صَديقَه وصاحِبَه في سِيرتِه وعادتِه؛ فهوَ مؤثِّرٌ في الأخلاقِ والسلوكِ والتصرُّفاتِ، ونظرةِ الناسِ إلى كلٍّ مِنهما من خلالِ مَعرفتِهم بأحوالِ الصَّاحبِ؛ ولهذا أرشدَ النبيُّ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم- إلى حُسنِ اختِيارِ الصدِيقِ.
ولما سَأل قاتلُ المائةِ العالمَ؛ نصحه أن يغير بيئته وصحبته؛ هذا في صحبة البشر والإبل والغنم، فما بالكم بصحبة الكلاب! فالله المستعان.
ثالثها: ضياع صحته؛ فإن الكلب ينقل أمراضًا بعضها غالبًا يؤدي للوفاة:
وقد ثبت علميًّا أن الكلب ناقل لبعض الأمراض الخطيرة، إذ تعيش في أمعائه دودة تُدعى: "المكورة"، تخرج بيوضها مع برازه، وعندما يلحس دبره بلسانه تنتقل هذه البيوض إليه، ثم تنتقل منه إلى الأواني وإلى أيدي أصحابه، ومنها تدخل إلى معدتهم فأمعائهم، وقد أكَّد الأطباء على خطورة هذه الدودة واللعاب الذي تسبح فيه، فقرروا أن: المرض ينتقل في غالب الأحيان إلى الإنسان أو الحيوان عن طريق دخول اللعاب الحامل للفيروس إثر عضة أو تلوث جرح بلعابه (قاله الدكتور محمود عبد الحميد طهماز، الفقيه والمفسر السوري، نقلًا مِن كتاب: "الوقاية من كل داء" لابن مقصد العبدلي).
وثمة داء آخر خطير ينقله الكلب وهو السعار: "داء الكلب"، وهو داء ينتقل إلى الإنسان عن طريق لعاب الكلب المصاب، سواءٌ بلحس خدوش في الجسم، أو من خلال العض، وهو مرض قاتل بنسبة 100% وفرصة نجاة الشخص الذي تظهر عليه علامات هذا المرض نادرة جدًّا؛ لأنه يسبب التهابًا شديدًا في الجهاز العصبي المركزي في الدماغ، فإذا حدث وأُصيب كلبٌ بهذا المرض؛ فإن أفضل طريقة هي إعدام الكلب، ولكن في كثيرٍ مِن الأحيان يُصاب الكلب بهذا المرض من دون إنذار سابق، عندها فإن الكلب سيهجم أول ما يهجم على صاحبه، أو صاحبته، ويبدأ في أكله.
وفي تقرير نشرته منظمة الصحة العالمية، أشارت فيه إلى أن: نحو 8 مليون شخص في أوروبا والولايات المتحدة الأميركية يُصابون سنويًّا بمرض التسمم الغذائي، بسبب التلوث الذي تنقله لهم الكلاب، وذلك مِن خلال ألسنتها أو ملامسة الإنسان لها، ولشعرها، أو من خلال برازها، أو من خلال رشح مِن أنوفها، وأفواهها، وتسبب مخالطة الكلاب أيضًا أمراضًا جلدية للإنسان، خاصة الأطفال، ومن هذه الأمراض: مرض (القوبياء) وهو مرض معدٍ، وعادة ما يصيب هذا المرض جلدة الرأس، وغيرها من أمراضٍ كثيرةٍ لا يتسع المقام لذكرها -فالله المستعان-.
رابعها: ضياع ماله وضياع وقته:
فكم من الملايين تنفق على تربية الكلاب والقطط وطعامهما، بينما يموت الملايين من البشر؛ لأنهم لا يجدون قوتًا ولا طعامًا، بل والكثير من هؤلاء الذين يقتنون الكلاب يحرمون أولادهم وأهليهم من النفقة المستحقة لهم، ولا يستطيعون أن يحرموا كلابهم! كذلك كم مِن الأوقات تهدر وتضيع بلا فائدة على هذه الحيوانات؟!
فكثير من هؤلاء الشباب يبدأ برنامجه اليومي من العصر إلى الفجر بالخروج من البيت، بصحبة الكلب؛ لا عمل ولا تجارة، ولا وظيفة ولا كسب، ولا تحصيل، ولا طاعة، ثم يعود كالجثة الهامدة، فيسهر مع زملائه إلى آخر الليل، ثم يرمي بجسمه على الفراش، بلا ذكر ولا تسبيح، ولا تحميد، ولا تهليل، ولا وضوء، ثم لا يستيقظ من نومه إلا قُبيل العصر، بعد أن ألغى الصلاة من برنامجه! أي حياة هذه؟! وأي عيشة تلك؟!
خامسها: حرمانه من دخول الملائكة بيته:
عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: وَاعَدَ رَسُولَ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- جِبْرِيلُ -عَلَيْهِ السَّلَامُ- فِي سَاعَةٍ يَأْتِيهِ فِيهَا، فَجَاءَتْ تِلْكَ السَّاعَةُ وَلَمْ يَأْتِهِ، وَفِي يَدِهِ عَصًا، فَأَلْقَاهَا مِنْ يَدِهِ، وَقَالَ: (مَا يُخْلِفُ اللهُ وَعْدَهُ وَلَا رُسُلُهُ)، ثُمَّ الْتَفَتَ، فَإِذَا جِرْوُ كَلْبٍ تَحْتَ سَرِيرِهِ، فَقَالَ: (يَا عَائِشَةُ، مَتَى دَخَلَ هَذَا الْكَلْبُ هَاهُنَا؟) فَقَالَتْ: وَاللهِ، مَا دَرَيْتُ، فَأَمَرَ بِهِ فَأُخْرِجَ، فَجَاءَ جِبْرِيلُ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (وَاعَدْتَنِي فَجَلَسْتُ لَكَ فَلَمْ تَأْتِ)، فَقَالَ: (مَنَعَنِي الْكَلْبُ الَّذِي كَانَ فِي بَيْتِكَ، إِنَّا لَا نَدْخُلُ بَيْتًا فِيهِ كَلْبٌ وَلَا صُورَةٌ) (رواه مسلم).
وعن أبي طلحة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (لَا تَدْخُلُ الْمَلَائِكَةُ بَيْتًا فِيهِ كَلْبٌ وَلَا صُورَةٌ) (متفق عليه)، فمَن صاحب ولازم الكلب طيلة يومه وطيلة عمره، فمتى ستدخل الملائكة بيته؟ اللهم إلا عند وفاته وخروج الكلب، فإنهم يدخلون لقبض روحه، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
واللهَ نسأل أن يمسكنا بالكتاب والسُّنة، لا مبدلين ولا مغيرين حتى نلقاه، وصلى الله وسلم وبارك على رسولنا الأمين، وعلى آله وصحبه أجمعين.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.