كتبه/ محمد خلف
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
فإنَّ للإيمانِ والعملِ الصالحِ ثمراتٍ عظيمةً؛ فهو السبيلُ لنيلِ سعادةِ الدارينِ، كما قال -تعالى-: (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) (النحل: 97).
قال ابنُ كثيرٍ -رحمه الله-: "هذا وعدٌ من اللهِ -تعالى- لمن عَمِلَ صالحًا -وهو العملُ المتابعُ لكتابِ اللهِ تعالى وسُنَّةِ نبيِّهِ- من ذَكَرٍ أو أُنثى من بني آدمَ، وقلبُه مؤمنٌ باللهِ ورسولِه، وإنَّ هذا العملَ المأمورَ به مشروعٌ من عندِ اللهِ -بأنْ يُحْيِيَهُ اللهُ حياةً طيبةً في الدنيا، وأنْ يَجْزِيَهُ بأحسنِ ما عَمِلَ في الدارِ الآخرةِ" (انتهى).
فمن ثمراتِه في الدنيا: أنَّه سببٌ لكفايةٍ وولايةٍ ونصرةٍ، ودَفْعِ اللهِ -جلَّ وعلا- عن صاحبِه، كما قال -تعالى-: (إِنَّ اللَّهَ يَدْفَعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ) (الحج: 38).
قال ابنُ كثيرٍ -رحمه الله-: "يُخْبِرُ -تعالى- أنَّه يَدْفَعُ عن عبادِه الذين توكَّلوا عليه وأنابوا إليه شَرَّ الأشرارِ وكَيْدَ الفُجَّارِ، ويَحْفَظُهم ويَكْلَؤُهم ويَنْصُرُهم، كما قال -تعالى-: (أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ) (الزمر: 36)، وقال: (وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهُ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا) (الطلاق: 3)" (انتهى).
فهو الوليُّ -تعالى-، كما قال -عزَّ وجلَّ- لنبيِّه -مثبتًا وحافظًا له- أنْ يقولَ لمشركي قومِه -صلى الله عليه وسلم-: (إِنَّ وَلِيِّيَ اللَّهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتَابَ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ) (الأعراف: 196).
قال ابنُ كثيرٍ -رحمه الله-: "أي: اللهُ حَسْبي وكافي، وهو نصيري وعليه مُتَّكَلي، وإليه ألجأُ، وهو وليِّي في الدنيا والآخرةِ، وهو وليُّ كلِّ صالحٍ بعدي" (انتهى).
فهي بشارةٌ لكلِّ عبدٍ صالحٍ أنَّ اللهَ سبحانه يتولَّاه ويَكْفيه ويَنْصُرُه ويَدْفَعُ عنه بقَدْرِ إيمانِه وعملِه الصالحِ، فالحكمُ المعلَّقُ بصفةٍ يَزْدادُ بزيادتِها ويَنْقُصُ بنقصانِها، فكلَّما ازداد العبدُ المؤمنُ من عَمَلِ الصالحاتِ زادتْ كفاية ونصرة وولاية العزيزِ الرحيمِ له، وتَنْقُصُ بنقصانِه.
وكان -صلى الله عليه وسلم- يسألُ الجبارَ القديرَ ويقول: (وَتَوَلَّنِي فِيمَنْ تَوَلَّيْتَ) (رواه أبو داود والترمذي، وصححه الألباني)، أي: تَوَلَّني واكْفِني وانْصُرْني ووَفِّقْني فيمن تَفَضَّلْتَ وأنْعَمْتَ وتَكَرَّمْتَ عليهم بذلك، فالأمرُ كلُّه بيدَيكَ وحدَكَ.
وكذا يَسْتَعيذُ من شُؤْمِ الذنوبِ والمعاصي التي تَنْقُصُ بسببها ولاية ونصرة وإعَانَة أرحم الراحمين، وقد تُسَبِّبُ تسلُّطَ الأعداءِ والظالمينَ على العبدِ بسببِها، فيقولُ كما في خطبةِ الحاجةِ: (وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا، وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا) (رواه الترمذي، وصححه الألباني)، وكذا كان يقولُ في سيدِ الاستغفارِ: (أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا صَنَعْتُ) (رواه البخاري).
فهو يقولُ ذلك -صلى الله عليه وسلم- تواضعًا وإخباتًا منه لربِّه، فهو المعصومُ، وكذا معلِّمًا لأمَّتِه، ومبرزًا لهم شُؤْمَ وسوءَ عاقبةِ الذنوبِ والمعاصي في الدنيا والآخرةِ.
فما أحوجَنا جميعًا إلى الإكثارِ من عَمَلِ الصالحاتِ، ومن الصلاةِ والذكرِ والدعاءِ، واجتنابِ الذنوبِ والمعاصي، وأنْ نَعُودَ على أنفسِنا باللومِ والعتابِ على ذنوبِنا وتقصيرِنا في حقِّ ربِّنا، بدلًا من أنْ نَنْشَغِلَ بغيرِنا، فهم ما تَسَلَّطوا علينا إلا بسببِها.
فذلك يُثْمِرُ إنابةً وتوبةً وانكسارًا وذُلًّا، وكذا عَمَلًا صالحًا أيضًا يُقَرِّبُنا من الذي بيدِه الأمرُ كلُّه، وهو القاهرُ فوقَ عبادِه، وهو الحكيمُ الخبير، ونواصي الخلقِ جميعًا بيدِه وحده -تعالى-؛ فأبشروا، فالأمورُ تُقْضَى من السماءِ وليست من هاهنا، واللهُ غالبٌ على أمرِه، ولكنَّ أكثرَ الناسِ لا يَعْلَمونَ.
والحمد لله رب العالمين.