الجمع بيْن حديث: (وَأَحِبَّ لِلنَّاسِ مَا تُحِبُّ لِنَفْسِكَ تَكُنْ مُسْلِمًا) وحديث: (لاَ يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لِأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِ
السؤال:
ما الجمع بيْن حديث (أَحْسِنْ إِلَى جَارِكَ تَكُنْ مُؤْمِنًا، وَأَحِبَّ لِلنَّاسِ مَا تُحِبُّ لِنَفْسِكَ تَكُنْ مُسْلِمًا) (رواه الترمذي، وحسنه الألباني)، وحديث: (لاَ يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لِأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ) (متفق عليه)، ففي الحديث الأول جعل النبي -صلى الله عليه وسلم- محبة الخير للناس مِن علامات الإسلام، وفي الحديث الثاني جعله مِن علامات الإيمان؟ ومعلوم الفرق بيْن الإسلام والإيمان في هذا المقام من أنهما: "إذا اجتمعا افترقا، وإذا افترقا اجتمعا"، فكيف نجمع بيْن الحديثين؟
الجواب:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
فالإسلام والإيمان في الحديث مِن المواطِن التي اجتمع في السياق والمعنى، وهذا ليس هو الاستعمال الأغلب، لكنه موجود نحو قوله: (لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آمَنُوا وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ) (النحل:102)، فهو هنا الإسلام الباطن مع الظاهر، وليس الظاهر فقط، كالمعتاد عند اجتماعهما، وفي هذا الحديث ذكر النبي -صلى الله عليه وسلم- عملاً قلبيًّا باطنًا؛ فالإسلام فيه هو الدين كله، ويشمل الإسلام الباطن لله، وهو والإيمان الذي ذكر في الحديث الآخر: (لاَ يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لِأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ) شيء واحد.
وهذا كاستثناءٍ مِن قاعدة: "إذا اجتمعا افترقا، وإذا افترقا اجتمعا"، والتي تعني أن الإسلام والإيمان إذا افترقا في السياق اجتمعا في المعنى، وإذا اجتمعا في السياق افترقا في المعنى، فإذا اجتمعا الإسلام والإيمان في نصٍ واحدٍ، كان معنى الإسلام: الأعمال الظاهرة. ومعنى الإيمان: الأعمال والاعتقادات الباطنة، كقوله -تعالى-: (قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْأِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ) (الحجرات:14).
أما إذا ذكر الإسلام وحده؛ فإنه يدخل في معناه الإيمان، كقوله -تعالى-: (إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلامُ) (آل عمران:19)، وإذا ذكر الإيمان وحده دخل فيه الإسلام، كقوله -تعالى-: (وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْأِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ) (المائدة:5).