الموقع الرسمي لفضيلة الشيخ ياسر برهامي
الأربعاء 21 نوفمبر 2018 - 13 ربيع الأول 1440هـ

دروس مِن قصة الثلاثة الذين خلفوا (4) (موعظة الأسبوع)

خطر المنافقين على مجتمعات المسلمين

كتبه/ سعيد محمود

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

المقدمة:

- تكرير التذكير على فضل القصة وكثرة الدروس والفوائد المستفادة منها، وأثرها على قلوب الصالحين.

- ذكر الشاهد مِن القصة لدرس اليوم: قال كعب -رضي الله عنه-: "فَكُنْتُ إِذَا خَرَجْتُ فِي النَّاسِ بَعْدَ خُرُوجِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَطُفْتُ فِيهِمْ، أَحْزَنَنِي أَنِّي لاَ أَرَى إِلَّا رَجُلًا مَغْمُوصًا عَلَيْهِ النِّفَاقُ، أَوْ رَجُلًا مِمَّنْ عَذَرَ اللَّهُ مِنَ الضُّعَفَاءِ" (متفق عليه).

- المؤمن لا يرضى أن يكون مع هذا الصنف الخبيث: قال الله فيهم: (يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لَا يَحْزُنكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ مِنَ الَّذِينَ قَالُوا آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِن قُلُوبُهُمْ) (المائدة:41).

أولًا: موقفهم مِن الخروج إلى تبوك:

1- أقاموا قبْل الغزوة بقليلٍ مسجد الضرار؛ لإحاكة المؤامرات والدسائس للمسلمين: قال الله -تعالى-: (وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِدًا ضِرَارًا وَكُفْرًا وَتَفْرِيقًا بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصَادًا لِمَنْ حَارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ مِنْ قَبْلُ وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا الْحُسْنَى وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ . لَا تَقُمْ فِيهِ أَبَدًا لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ . أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ . لَا يَزَالُ بُنْيَانُهُمُ الَّذِي بَنَوْا رِيبَةً فِي قُلُوبِهِمْ إِلَّا أَنْ تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) (التوبة:107-110).

2- حاولوا تثبيط الناس عن الخروج مع النبي -صلى الله عليه وسلم- بحجة شدة الحر: قال -تعالى-: (فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلَافَ رَسُولِ اللَّهِ وَكَرِهُوا أَن يُجَاهِدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَالُوا لَا تَنفِرُوا فِي الْحَرِّ ? قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا لَّوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ) (التوبة:81).

3- حاولوا بث الفتنة أثناء التجهيز بخصوص غنائم حنين، وذلك بلمز النبي -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- بأنه يحابى قومه: قال -تعالى-: (وَمِنْهُم مَّن يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقَاتِ فَإِنْ أُعْطُوا مِنْهَا رَضُوا وَإِن لَّمْ يُعْطَوْا مِنْهَا إِذَا هُمْ يَسْخَطُونَ) (التوبة:58).

4- الإرجاف والتخويف في الناس والتهويل مِن شأن العدو: قال بعضهم لبعض المسلمين: "أتحسبون جلاد بني الأصفر كقتال العرب بعضهم بعضًا، والله لكأنا بكم غدًا مقرنين في الحبال!"، فأنزل الله: (يَحْذَرُ الْمُنَافِقُونَ أَن تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُم بِمَا فِي قُلُوبِهِمْ قُلِ اسْتَهْزِئُوا إِنَّ اللَّهَ مُخْرِجٌ مَّا تَحْذَرُونَ) (التوبة:64).

5- الهروب والتخلف والاعتذار بالحجج الكاذبة أو الواهية: قال الله -تعالى-: (لَوْ كَانَ عَرَضًا قَرِيبًا وَسَفَرًا قَاصِدًا لَاتَّبَعُوكَ وَلَكِنْ بَعُدَتْ عَلَيْهِمُ الشُّقَّةُ وَسَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَوِ اسْتَطَعْنَا لَخَرَجْنَا مَعَكُمْ يُهْلِكُونَ أَنْفُسَهُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ) (التوبة:42)، وقال: (وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ ائْذَنْ لِي وَلَا تَفْتِنِّي أَلَا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ) (التوبة:49).

ثانيًا: لماذا هم الأخطر على المسلمين؟!

- للمسلمين أعداء كثر، ولكن المنافقين أشدهم وأخطرهم: قال -تعالى-: (هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ) (المنافقون:4).

- سبب اختصاصهم بأشد العداوة للمسلمين مِن وجوه:

1- حرب الكفار علينا أيام، وحرب المنافقين على الدوام؛ لأنهم يعيشون بيننا.

2- حرب الكفار علينا معلنة، فيتحفز المسلم ويأخذ حذره، وحرب المنافقين في الغالب مستمرة، وهي أشر.

3- الكفار لا يطلعون على عوراتنا ونقاط ضعفنا، بخلاف المنافقين.

4- وأعظم ذلك كثرة حديث القرآن عنهم تحذيرًا مِن شرهم وعظيم خطرهم: (سورة التوبة 129 آية منها 100 آية تتحدث عن صفات المنافقين؛ ولذا سميت الفاضحة - افتتحت سورة البقرة في صدر المصحف بالكلام عن أصناف العالم الثلاثة في نحو عشرين آية، فكان نصيب المؤمنين أربع آيات، والكافرين آيتان، والمنافقين ثلاثة عشر آية - 340 آية مِن الآيات الطوال في القرآن تتحدث عن المنافقين - 17 سورة مدنية من 30 تتحدث عن المنافقين).

وقفة مهمة: كل ذلك وهم يومئذٍ ثلاثة في الألف في مجتمع المسلمين! قال كعب: "وكانوا بضع وثمانين رجلاً"؛ فكيف وقد صاروا كثرة في مجتمعات المسلمين بعد ذلك؟!

سمع حذيفة بن اليمان -رضي الله عنه- رجلًا يقول: "اللهم أهلك المنافقين! فقال: يا ابن أخي، لو هلك المنافقون لاستوحشتم في طرقكم مِن قلة السالك!".

وقال -رضي الله عنه-: "الْمُنَافِقُونَ الَّذِينَ فِيكُمُ الْيَوْمَ شَرٌّ مِنَ الْمُنَافِقِينَ الَّذِينَ كَانُوا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-! فَقُلْنَا: يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ، وَكَيْفَ ذَاكَ؟! قَالَ: إِنَّ أُولَئِكَ كَانُوا يُسِرُّونَ نِفَاقَهُمْ، وَإِنَّ هَؤُلَاءِ يُعْلِنُونَ"، وقال مالك -رحمه الله-: "النفاق في زمان النبي -صلى الله عليه وسلم- هو الزندقة في زماننا" (مدارج السالكين لابن القيم، 1/ 313).

ثالثًا: مِن صفات المنافقين:

1- قلوبهم ممتلئة بالشبهات والشكوك التي أهلكتهم: قال -تعالى-: (فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ) (البقرة:10). (أمثلة عصرية: الهجوم على ثوابت الدين: كالحدود، والمواريث، وفتنة القبر، ونحو ذلك).

2- يأمرون بالمنكر وينهون عن المعروف: قال -تعالى-: (الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُم مِّن بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ) (التوبة:67). (أمثلة عصرية: منع الحجاب أو النقاب مع إباحة العري! - دعاء الركوب في الطائرة عنصرية والموسيقى تحضر وحرية! - المناداة بمنع مادة الدين مِن الدراسة!).

3- المتمسك بالكتاب والسُّنة عندهم مخبول، وكلامه غير معقول: قال -تعالى-: (وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا كَمَا آمَنَ النَّاسُ قَالُوا أَنُؤْمِنُ كَمَا آمَنَ السُّفَهَاءُ أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاءُ وَلَكِنْ لَا يَعْلَمُونَ) (البقرة:13). (أمثلة عصرية: السخرية مِن السمت الإسلامي - التطاول على العلماء والأئمة، بل والصحابة - الإنكار على المعلمة التي جمعت الأولاد للصلاة!).

4- يبغضون التحاكم الى كتاب الله وسنة رسول الله -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم-: قال -تعالى-: (وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى? مَا أَنزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنكَ صُدُودًا) (النساء:61). (أمثلة عصرية: قول بعضهم الشريعة رجعية! - لا تدخلوا الدين في حياتنا!).

5- يسوؤهم ويغمهم ظهور أهل الدين وعافيتهم، ويسرهم ويفرحهم نزول البلايا والمصائب بهم: قال -تعالى-: (إِن تُصِبْكَ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِن تُصِبْكَ مُصِيبَةٌ يَقُولُوا قَدْ أَخَذْنَا أَمْرَنَا مِن قَبْلُ وَيَتَوَلَّوا وَّهُمْ فَرِحُونَ) (التوبة:50). (أمثلة عصرية: الهجوم على الدعاة إلى الله والشماتة بهم والتشهير بهم في الوقت الذي يكتمون نجاحهم وتفوقهم).

رابعًا: عاقبة المنافقين يوم القيامة:

- أشد الناس عذابًا عند الله: قال -تعالى-: (إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا) (النساء:140)، وقال: (إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَن تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا) (النساء:145).

- جعل الله عذابهم مِن جنس عملهم: قال الله -تعالى-: (يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ يَسْعَى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ بُشْرَاكُمُ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ . يَوْمَ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ لِلَّذِينَ آمَنُوا انْظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ قِيلَ ارْجِعُوا وَرَاءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُورًا فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذَابُ . يُنَادُونَهُمْ أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ قَالُوا بَلَى وَلَكِنَّكُمْ فَتَنْتُمْ أَنْفُسَكُمْ وَتَرَبَّصْتُمْ وَارْتَبْتُمْ وَغَرَّتْكُمُ الْأَمَانِيُّ حَتَّى جَاءَ أَمْرُ اللَّهِ وَغَرَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ . فَالْيَوْمَ لَا يُؤْخَذُ مِنْكُمْ فِدْيَةٌ وَلَا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مَأْوَاكُمُ النَّارُ هِيَ مَوْلَاكُمْ وَبِئْسَ الْمَصِير) (الحديد:12-15).

خاتمة: عود على بدء:

- إن كلام كعب -رضي الله عنه- يبيِّن عظيم سوء وخبث هذا الصنف، ويبيِّن أن يحذر المسلم مِن النفاق أو أن يكون مع المنافقين ولو كان كارهًا: قال -رضي الله عنه-: "فَكُنْتُ إِذَا خَرَجْتُ فِي النَّاسِ بَعْدَ خُرُوجِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَطُفْتُ فِيهِمْ، أَحْزَنَنِي أَنِّي لاَ أَرَى إِلَّا رَجُلًا مَغْمُوصًا عَلَيْهِ النِّفَاقُ، أَوْ رَجُلًا مِمَّنْ عَذَرَ اللَّهُ مِنَ الضُّعَفَاءِ".

عصمنا الله وإياكم مِن الكفر والنفاق.

وجعلنا وإياكم مع النبيين والصديقين، والشهداء والصالحين، وحسن أولئك رفيقًا.