الموقع الرسمي لفضيلة الشيخ ياسر برهامي
الإثنين 28 أبريل 2025 - 30 شوال 1446هـ

وإعجاب كل ذي رأي برأيه! (1)

كتبه/ عبد العزيز عطية النجار

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛  

فالإعجاب بالنفس والرأي من الأمور المذمومة، التي تؤدي للتدابُر والتقاطُع؛ قال الله -تعالى-: (وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ) (الأنفال: 46).  

وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: (لا تَحاسَدُوا، وَلا تَناجَشُوا، وَلا تَباغَضُوا، وَلا تَدابَرُوا، وَلا يَبِعْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَيْعِ بَعْضٍ، وَكُونُوا عِبَادَ اللهِ إِخْوَانًا، الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ: لَا يَظْلِمُهُ، وَلَا يَحْقِرُهُ، وَلَا يَخْذُلُهُ، التَّقْوَى هَاهُنَا -وَيُشِيرُ إِلَى صَدْرِهِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ- بِحَسْبِ امْرِئٍ مِنَ الشَّرِّ أَنْ يَحْقِرَ أَخَاهُ الْمُسْلِمَ، كُلُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ حَرَامٌ: دَمُهُ، وَمَالُهُ، وَعِرْضُهُ) (رواه مسلم).  

وفي الحديث أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (سَأَلْتُ رَبِّي ثَلَاثًا، فَأَعْطَانِي ثِنْتَيْنِ وَمَنَعَنِي وَاحِدَةً: سَأَلْتُ رَبِّي أَنْ لَا يُهْلِكَ أُمَّتِي بِالسَّنَةِ فَأَعْطَانِيهَا، وَسَأَلْتُهُ أَنْ لَا يُهْلِكَ أُمَّتِي بِالْغَرَقِ فَأَعْطَانِيهَا، وَسَأَلْتُهُ أَنْ لَا يَجْعَلَ ‌بَأْسَهُمْ ‌بَيْنَهُمْ فَمَنَعَنِيهَا) (رواه مسلم).  

ومع ذلك فإن أمة الإسلام هي خيرُ أمة أخرجت للناس وهي الآخرةُ الأولى، قال النبي -صلى الله علهي وسلم-: (نَحْنُ الْآخِرُونَ الْأَوَّلُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَنَحْنُ أَوَّلُ مَنْ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ، بَيْدَ أَنَّهُمْ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِنَا، وَأُوتِينَاهُ مِنْ بَعْدِهِمْ، فَاخْتَلَفُوا، فَهَدَانَا اللهُ لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ) (رواه مسلم).  

ولما كانت أمة الإسلام هي الوَسَط بين الأُمَم لذلك فأهل السُّنة والجماعة في أمة الإسلام هُم الوَسَط بين الفِرَق التي تفرَّقت في أمة الإسلام وخالَفَت الاتباع، وأهل السُّنة هُم وَرثة الكتاب والحِكمة والفَهم المُنضَبِط لما وصَّى به نبيهُم فإن الله سمَّى السُّنة بالحِكمة كما في سورة الأحزاب آمرًا أُمهات المؤمنين: (وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللهِ وَالْحِكْمَةِ إِنَّ اللهَ كَانَ لَطِيفًا خَبِيرًا) (الأحزاب: 34).  

لذلك فأهلُ السُّنة هُم الامتداد الفِعلي لدعوة الأنبياء والرُّسُل لاقتفائِهِم الأثر وارتباطهِم بالخَبَر الوارد في القرآن الكريم والسُّنة النبوية المُطهرة، وَفَهم هذه النصوص بالفَهم السَّلَفي المُنضَبِط الذي فهم به أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وتبليغها وإسقاطِها على أرض الواقِع لنَفع الأمة بها والتبليغ بهذا المعنى هو الدعوة إلى الله -تعالى- على بصيرةٍ وبُرهان: (قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي) (يوسف: 108).  

وأهل السُّنة والجماعة يتعاملون مع الخِلاف بأدب الخلاف وفِقه الخلاف تَعَبُّدًا لله تعالى، والإعجاب بالرأي عامةً من حظوظ النفس والعُجب من أمراض القلوب، واتصاف المرء بعَدَم التجرُّد وألا يكون رجَّاعًا للحق أمرٌ خطير يؤذي صاحبهُ ويضر به، (فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا) (الفتح: 10)، لكن الأصعب هو الإعجاب بالرأي على مستوى المُتشَرِّذمين من الجماعات والتيارات وبخاصةً التي تنتسب للعمل الإسلامي؛ فأفسدت هذه التيارات أكثر مِما أصلحَت، وأتَت بنهج موازٍ لنهج أهل السُّنة!

والمعروف أن الدعوة إلى الله -تعالى- عبارة عن فرعين: الدعوة الأصلية، وهي دعوة غير المُسلمين للإسلام والدعوة الفرعية وهي دعوة المسلمين ذاتهُم للاستقامة على الإسلام، وللأسف الشديد فإن الدعوة الفَرعية طَغَت على الأصلية.  

وكان الإعجاب بالرأي عند المُتشرِّذمين والتعصُّب له والولاء والبراء عليه عَقَبة في وَجه انتشار الدعوة الإسلامية جَرَّاء أفعالهم والتي كانت بناءً عن آراء مُستمدة من فتاوى لا يقول بها إلا أرباعُ العُلماء وأنصاف العُلماء، أو أشباه الأرباع والأنصاف ممَّن لم يتذوقوا طَعم الفِقه أو يَشُمُّوا رائحته، وكذلك عدم التجرُّد. 

وللحديث بقية -إن شاء الله-.