كتبه/ سالم أبو غالي
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
ففي زمانٍ تهاوت فيه الموازين، وارتفعت فيه أصواتٌ بلا سلطان من علم، وقلَّ فيه الوقار حتى كأن القلوب ما عادت تَهابُ، نشهد مشاهد تَقُضُّ مضاجع الحلم، وتُبكي القلب قبل العين:
شبابٌ حديثو عهدٍ بالعلم، تصدَّروا قبل أن تكتمل أدواتهم، فاغترُّوا بشيءٍ من شهرة، وتجرَّؤوا على حُرمةٍ عظيمة: العلماء.
تراهم يخوضون في أعراضهم، يتحدثون عنهم وكأنهم أنداد، يُوقدون نار الفتنة ثم يزعمون أنها غيرةٌ على الدين!
فرفقًا.. قف حيث وقف السَّلَف، ولا تتقدَّم موضعك.
أيها المبارك.. لستَ وحدك؛ فأنفاسك مرصودة، وكلماتك مسموعة، وخطواتك محسوبة.
الله يراك، والناس تراك، والملائكة تكتب.
فلا تكن سهمًا طائشًا يُرمى به في صدور أهل العلم.
لا تَهدِم بثقة ما بناه شيخٌ قضى عمره بين سهرٍ ومحراب، ودمعةٍ وخشية.
العلماء.. حماة الشريعة:
قال الله -تعالى-: (فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ) (النحل: 43)، وقال الحبيب -صلى الله عليه وسلم-: (الْبَرَكَةُ مَعَ أَكَابِرِكُمْ) (رواه الطبراني، وصححه الألباني).
فهل تغيَّرت السنن؟!
هل صار مَن قرأ كتابًا أو أعدَّ درسًا أو ظهر في مقطع، يظن نفسه نِدًّا لورثة الأنبياء؟!
وهل بات من تعلَّم نصف مسألة يرى في نفسه صلاحية الإفتاء في نوازل الأمة؟!
العالم يجتهد، ويُخطئ ويُصيب، وله في الحالين أجر؛ أما أنت، فما حجتك إن أخطأت؟ وما زادك إن خُضتَ؟
إن خالفته، فخالفه بعلمٍ يُحترم، لا بجهلٍ يُضحك.
خالفه بأدب طالبٍ، لا بصياح مغرور.
خالفه بحسن ظنٍ، لا بغمزٍ ولمزٍ وتشهير.
إياك والبغي… فإنه دَيْن يُرد:
قال الله -تعالى-: (إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ) (يونس: 23).
وقال بعض السلف: "ما بَغَى عبد على عبد، إلا سلَّط الله عليه من يَبغي عليه ولو بعد حين".
قف يا أخي:
اليوم تَطعَنُ، وغدًا تُطعَنُ.
اليوم تتجرَّأ على من هو أعلم منك، فسيُسلَّط الله عليك من هو أجهل منك، وأقل منك أدبًا وورعًا.
فكما تَدينُ تُدانُ، وسنة الله لا تُحابي أحدًا.
أيها الداعية.. أنت قدوة:
قد تَصعَدُ بك كلمة، وقد تَهوي بك جملة.
فلا تكن سببًا في صرف الناس عن علمائهم، ولا تكن جسرًا تمر الفتنة فوقه لتُفرِّق ولا تُجَمِّع.
واعلم أن الطعن في العلماء ليس طعنًا في الأشخاص، بل هو طعنٌ في الدين نفسه؛ لأنهم حُماتُه، وإذا سقطت هيبتهم، سقطت ثقة الناس في الشريعة.
إياك ولباس الزور:
قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (الْمُتَشَبِّعُ بِمَا لَمْ يُعْطَ، كَلَابِسِ ثَوْبَيْ زُورٍ) (متفق عليه).
فإياك أن تَغتَرَّ بعدد المتابعين، أو أن يَخدَعَك المديح في التعليقات.
أنت أعلم الناس بنفسك، فاحذر أن تَلبَسَ ثوب العالم وأنت لا تملكه.
لا تَدَّعِ الرسوخ وأنت لم تُزَكَّ، ولم تُرَبَّ، ولم تَشرَبَ العلم من منابعه.
واعلم أن من تَساهَلَ في لبس ما لا يليق به، فقد قرَّب نفسه من فضيحةٍ تَهتِكُ ستره بين الخلق.
فيا من تصدَّرت… اسمعها ناصحة رفيقة:
احفظ لسانك عن الأكابر.
اعرف قدر نفسك، ولا تُزاحم الكبار بما لا تُحسِنُ.
لا تَستَبِد برأيك في النوازل، فالنوازل لها رجالها.
تأنَّ في أحكامك، وفكِّر في وزن كلماتك يوم العرض.
وتذكَّر دائمًا: (الْبَرَكَةُ مَعَ الأَكَابِرِ).
اجعل بينك وبين الله سترًا من الحياء.
وإذا هممتَ بقول، فاسأل نفسك: هل أجرؤ على قوله أمام الله؟
وإذا كتبتَ، فاجعل عينك على قبرك، لا على عَدَّاد المشاهدات.
فالشُّهرة لا تُزكِّيك، ولا تَرفَعُك عند الله، بل قد تكون أول فتنة على كتفيك.
قبل أن تُفلِتَكَ قدماك… قف! راجع قلبك، زِن كلامك، احفظ لسانك عن أهل العلم.
وأخيرًا:
اللهم احفظ علماء الأمة.
اللهم ارزقنا حسن الأدب معهم.
اللهم لا تَجعَل في قلوبنا غِلًّا للذين آمنوا.
اللهم لا تَجعَلنا فتنةً لعبادك، ولا ممن يَضِلُّ وهو يَحسَبُ أنه يَهدي.
اللهم اجعلنا مفاتيح للخير، مغاليق للشر.
اللهم استعملنا في طاعتك، ولا تَستَبدِلنا.