كتبه/ عبد المنعم الشحات
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
فيقف الناس عمومًا "والإعلاميون خصوصًا" من الرئيس "مرسي" أحد ثلاثة مواقف:
الأول: التأييد المطلق وهو ما ينادي به بعض الأفاضل لتصورات فقهية معينة عالجتها في سلسلة مقالات تحت عنوان: "مقارنة بين نظام الإمامة ونظام الدولة الدستورية القانونية الحديثة"، كتبتُ منها حتى الآن ثلاث مقالات.
وبعضهم يوجد لديه حرج من نصح الرئيس علانية، وقد رددتُ عليهم في مقالة بعنوان: "أصابت امرأة وأخطأ عمر"، ومنهم مَن لا يمنع من نصيحة الرئيس من حيث المبدأ وإن كان يتحفظ عليها في هذه المرحلة التي يشن عليه فيها الإعلام المضاد حملة تشويه، ويرى أن ذلك يصب في خانة تأييد هؤلاء، وقد رددتُ عليه في مقالة: "شبهة تأييد المنافقين".
الثاني: الفريق الذي يقف على الضد من الرئيس في كل شيء، فإذا سكتَ... قالوا: ما له لا يحدثنا؟! وإذا تكلم... قالوا: ليته سكت!
إنْ ذهب إلى بلد فلم تحسن استقباله قالوا: أهنتَ مصر! وإن كرَّمته خرجتْ برامجهم الساخرة تتلاعب بمعنى ذلك التكريم!
وهذا الفريق المضاد على طول الخط منه إعلاميون وساسة، ولكن القاسم المشترك بينهم كان رجل الأعمال "نجيب ساويرس".
فمن جهة الساسة: فـ"نجيب ساويرس" هو مؤسس حزب المصريين الأحرار "أشرس أحزاب جبهة الإنقاذ".
ومن جهة الإعلام: يمتلك "ساويرس" كثيرًا من المنابر الإعلامية المناوئة للرئيس بطريقة مباشرة أو شبه مباشرة، كما أن له أياد على كثير من الإعلاميين تحدث عنها غير واحد أكثر من مرة.
الثالث: المتمسكون بميثاق: "إن أحسنت فأعينوني وإن أسأت فقوموني"، والذين يؤيدون ما يرونه جديرًا بالتأييد ويعارضون ما يرونه جديرًا بالمعارضة، وهذا كله من وجهة نظرهم التي تحتمل الصواب والخطأ، ومِن ثَمَّ فهم على العكس من الفريقين السابقين يؤيدون أحيانًا ويعارضون أحيانًا أخرى.
ثم جاءت اتفاقية تصفية مشكلة التهرب الضريبي لـ"آل ساويرس" فوحدت الطرفين الأوليين لأول مرة؛ حيث اعتبرها الإعلام المضاد للرئيس أول تصرف صائب للرئيس، بينما تراجعت كثير من المنابر المؤيدة للرئيس عن شعار: "مرسي بيضرب في المليان" لتحدثنا عن العقل والحكمة والنظر في عواقب الأمور، وأننا يجب أن ننظر إلى نصف الكوب المليان حيث استنقذ الاتفاق سبعة مليارات "لا أنه أهدر سبعة مماثلة" حيث إن الدولة لم تكن حاصلة على هذه المليارات السبعة التي حصَّلتها، ولا تلك التي تنازلتْ عنها!
حسنًا... ولكن: ألم يردد بعضهم أن التفاوض من حيث المبدأ خيانة كبرى لا تغتفر "ولو كان على أمور لا تمس الدين ولا المال العام؟!"، وكان البعض الآخر يقرر أنه ليس ضد مبدأ التفاوض، ولكنه ضد التفاوض مع كل مِن:
- جبهة الخراب "لاحظ أن في القلب منها حزب ساويرس!".
- رجال مبارك "لاحظ أن ساويرس من أكثر من امتص مال الشعب أيام مبارك وما صفقة موبينيل منا ببعيد".
- الإعلام المغرض "وعلى رأسه قنوات ساويرس".
أي أنه ما من مبرر قيل في رفض الحوار وإلا لدى "ساويرس" قدر وافر منه!
ليس غرضي هنا أن أناقش الاتفاق لأنني أسمع في كل يوم مزيدًا من التفاصيل تحتاج إلى تثبُّت، ولكني أكتب ناصحًا الأطراف الأربعة: "الرئيس ومؤيدوه وساويرس ومناصروه" أن يستفيدوا من الدرس.
أولاً: "الرئيس":
بيان الرئاسة أن تكريم ساويرس جاء تشجيعيًّا لرجال الأعمال الشرفاء يحتاج إلى ملحق يشرح معنى الشرف، وهل التهرب من الضريبة ثم التصالح على 50% منها بـ"لي الذراع" يُعد شرفـًا؟!
قد أتفهم القبول بهذا الحل تحت سياسة "لي الذراع"، ولكن تقريرها والثناء عليها واعتبارها شرفًا يوقع السلطة التنفيذية في حرج أنها تسرعت في اتهام "آل ساويرس" لمجرد شبهة ثم اتضح أنهم شرفاء! وربما يَطرح تساؤلاتٍ في قضايا لا تتضمن تنازلاً عن المال العام كقضية استبدال النائب العام بآخر شريف "لاحظ أن نطاق الشرف يضيق أحيانًا فلا ينطبق إلا على واحد ويتسع في أحيان أخرى فلا يبقى خارجه أحد تقريبًا!"، أو استبدال رئيس وزراء لم يؤدي أداء مرضيًا بآخر، وغيرها من الأطروحات.
ثانيًا: الإعلام المؤيد للرئيس "الإعلام الإسلامي":
قد يسع بعض الدعاة أن يتبنى مذهب عدم نصح الرئاسة علنًا، ولكن الإعلام إما أن يعالِج كل المواقف بشفافية أو يفقد الكثير من تأثيره.
أقول هذا غيرة على الإعلام الإسلامي ورغبة ألا يفقد تأثيره بين الناس، وعتابًا لطريقة معالجته لأطروحات مرنة كثيرة قدمها "حزب النور" لم تمس الدين ولا المال العام، ومع هذا عارضها بعضهم لمجرد مخالفتها لرأي الرئيس، بل لرأي "حزب الحرية والعدالة" وإن كانت موافقة لرأي الرئيس، مثل: "الموقف من أزمة القضاء" كما بينتُ هذا في مقالة: "الرئاسة - النور - الحرية والعدالة والمزايدة السياسية".
ثالثًا: "ساويرس":
رحب بك الشيخ "خالد عبد الله" وأبدى سروره بتمكنك من أكل الملوخية مرة ثانية؛ شريطة ألا تأكل أموال الناس "وأضيفُ: وألا تقترب من دينهم".
رابعًا: "مؤيدو ساويرس":
يمكنك أن تخدع بعض الناس كل الوقت أو تخدع كل الناس بعض الوقت، ولكن لا يمكنك أن تخدع كل الناس كل الوقت.
أرجو بعد هذا القرار أن تختفي شعارات: "يسقط يسقط حكم المرشد" وغيرها، وأن تتعاملوا مع د."مرسي" كرئيس يجب احترام قراراته كما فعلتم مع هذا القرار، ومِن ثَمَّ التوازن في عرض وجهات النظر بين مؤيدي كل قرار من قرارات الرئيس وبين معارضيها، والتزام الموضوعية في هذه المعارضة.