كتبه/ عبد المنعم الشحات
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
فإذا كان من الواجب علينا أن تتسع صدرونا للخلاف الفقهي السائغ فلابد وأن تكون أكثر اتساعًا للخلاف السياسي الذي تتعدد أسباب ومبررات الاختلاف فيه، ويجب على الجميع أن يتجنب الكلام في النوايا، ويناقش الأفعال والأقوال الظاهرة؛ فإذا كنا نحذِّر من الخطر الشيعي فاعترض معترض بأننا مبالغون فيه، بل إذا بالغ هو فوصفنا أننا مصابون بـ"فوبيا التشيع!" فسوف تجد مساحة للحوار نذكر فيها أسباب التخوف، ونماذج من التاريخ ومن الواقع المعاصر "والسعيد من اتعظ بغيره"، ويرد علينا المخالف بمناقشة تلك الحجج والبراهين.
وأما توصيف الأمر بأنه مزايدة سياسية: ففيه إيغار للصدور وإغلاق لباب المناقشة، ومع هذا يستسهل الجميع إلقاء تهمة المزايدة السياسية "والتي تُلقى في وجه حزب النور" في أمور، من أهمها:
1- قانون الصكوك.
2- قرض صندوق النقد.
3- الموقف من العلاقات مع إيران.
4- الموقف من زيارة الرئيس لروسيا.
وأقول: إننا -بحمد الله- لم نقع في المزايدة في أي منها، وهاك البيان:
1- قانون الصكوك:
لم يرفض "حزب النور" القانون ولم يتعسف في مناقشته، وإنما دارت مطالبه على أمرين أساسيين:
الأول: عرض القانون على "هيئة كبار العلماء" تأكيدًا للمادة الرابعة من الدستور، والتي سعينا وراء تقريرها احترامًا لمرجعية الشريعة.
الثاني: إيجاد توازن مع سلطة وزير المالية في إصدار الصكوك، والنص الصريح على منع بعض التصرفات في مسألة أصول الدولة وعدم تركها للالتزام السياسي من الحكومة.
وهو ما تم -بفضل الله-.
2- قرض صندوق النقد الدولي
وإليك بيان موقف حزب النور منه:
أ?- عندما أعلنت الحكومة والرئيس أنه قرض حسن، وأنه يتضمن 1.5% مصاريف إدارية، وهي أقل من الحد الأقصى للمصاريف الإدارية لدى عدد من المجامع الفقهية، فعلى سبيل المثال: يضع البنك الإسلامي للتنمية في إقراضه للدول الأعضاء نسبة مبدئية للمصاريف الإدارية قابلة للتعديل وفق المصاريف الإدارية الفعلية بحد أقصى 2.5%، ومِن ثَمَّ ووفقًا لهذه المعطيات سارع الحزب بالموافقة عليه "شرعًا" من حيث المبدأ، وتعليق الموافقة النهائية على جدواه الاقتصادية.
ب?- حينما خرج الدكتور "ممتاز السعيد" وزير المالية السابق ليؤكد أن المصاريف الإدارية 0.1% فقط، وأن الفائدة 1.1 %؛ قلنا: إنه بهذه الصورة يعتبر ربًا محرم.
ت?- ومع هذا أبقينا بابًا للضرورة بشرطين:
الأول: أن يقرر الخبراء وجود حالة ضرورة.
الثاني: مكاشفة الشعب بفاتورة الإصلاح التي اتفقت الحكومة مع صندوق النقد عليها؛ لا سيما مع تضمنها فرض أنواع من الضرائب، ورفع الدعم عن بعض السلع، ونظن أن هذا الطرح يمثِّل طرحًا موضوعيًّا، وليس مزايدة سياسية متعنتة!
ملاحظة:
ذكر بعض الكتَّاب السياسيين المعنِيِّين بالشأن الإسلامي ما معناه أنه: لو وُجد رئيس سلفي لفعل جميع ما ينتقده السلفيون على الرئيس "مرسي" وزيادة تحت التذرع بالضرورة! وانتهى من هذه المناقشة بأن أزمة الرئيس "مرسي" أنه ليس عنده من يعطيه هذه الفتوى.
والواقع أن هذا التحليل قد جانب الصواب من جهتين:
الأولى: أن "الدعوة السلفية" تحدثت في هذا الباب عن الضرورة وهو ما ينفي توهم أن الدعوة لن تفتي غيرها بالضرورة حتى وإن كانت قائمة، بل الدعوة أحالت في تقدير الضرورة على غيرها.
الثانية: أن الرئيس "مرسي" وجد الكثيرين ممن جعلوا القرض ليس ربًا أو أعطوه الفتوى بالضرورة دون الإحالة على المختصين "وهنا يكمن الخلاف بين حزب النور والحكومة".
3- الموقف مع إيران
وإليك بيان موقف حزب النور منه:
أ?- لم يعترض الحزب على عودة العلاقات مع إيران.
ب?- لم يعترض الحزب على زيارة الرئيس "مرسي" لإيران في قمة عدم الانحياز.
ت?- بالغتْ "الدعوة السلفية" واهتزت جميع منابرها فرحًا بموقف الرئيس "مرسي" من الترضي على الصحابة في إيران.
ث?- لم يمانع الحزب من استقبال رئيس إيران في قمة التعاون الإسلامي "وإن تحفظ على خبر اعتزامه زيارة مساجد الشيعة".
ج?- حتى بعد تمام هذه الزيارة اكتفت "الدعوة السلفية" بتسجيل رفضها لزيارة الرئيس الإيراني لمسجد "الحسين".
ح?- بدأ الرفض مع الاتفاق السياحي الذي يمثِّل "من وجهة نظرنا" غزوًا ثقافيًّا وخطرًا فادحًا.
خ?- أفصح الرئيس للهيئة الشرعية عن رفضه لعروض بمليارات الدولارات وتوريد إيران لسولار محض؛ علمًا منه بأن هذه المساعدات تبدو مشروطة ثم تظهر الشروط فيما بعد، وجزاه الله خيرًا على ذلك، وهذا اعتراف من الرئيس بالخطر الإيراني الذي يحاول حزبه أن يهوِّن من شأنه، ولكن يبقى أن السياحة التي وافق عليها أخطر مما رفضه!
د?- على مَن يتهم "الدعوة السلفية" بالمزايدة في هذا الباب أن يتذكر كيف قامت الدعوة بحملة مقاومة للانبهار الشعبي بـ"حسن نصر الله" أثناء مواجهته لإسرائيل، وكيف كلفها ذلك من مواجهة مع جمهور محبيها! ومع هذا قدَّمتْ الاهتمام بالعقيدة على استرضاء الشارع.
ذ?- ويعود ذكر الضرورة هنا بناءً على توصيفنا للسياحة الإيرانية بأنها تمثِّل غزوًا ثقافيًّا، ومِن ثَمَّ فلا يُتصور القبول بها تحت "دعوى الضرورة"؛ بخلاف المعاصي التي توفرت شروط الضرورة لها فإنه متى زالت الضرورة يُقلع عنها وتنتهي المسألة.
4- الموقف من زيارة روسيا
ما يُقال في العلاقات مع "إيران" يقال في زيارة الرئيس لـ"روسيا" والذي لم تعترض عليه الدعوة من حيث المبدأ، وإنما اعترضتْ على تصريحات الرئيس هناك بتثمين الموقف الروسي في "سوريا"، والقول باقترابه من الموقف المصري!
إن هذه المواطن التي اتفق فيها موقف "حزب الحرية والعدالة" مع الرئيس، وعارض "حزب النور" معارضة نراها موضوعية، وهي تبدو كذلك -إن شاء الله- منطقية ومنسجمة مع المنطق، في حين توجد نماذج أخرى نراها غاية في الغرابة حول مساندة "حزب النور" للرئيس في التعامل الدستوري في الملفات المختلفة في حين يدفع "حزب الحرية والعدالة" في اتجاه الحل الثوري مما يحرج الرئيس جدًّا!
ذلك أن جموع المصريين في ثورة "25 يناير" اكتفت باقتلاع رأس النظام وقبلت باستكمال مسيرة التطهير دستوريًّا تَمثَّل ذلك في القبول بالإعلان الدستوري الأول الصادر في "12 فبراير 2011م"، والذي مثَّل بداية مرحلة انتقالية دستورية حتى جاء الرئيس المنتخب د."محمد مرسي" بانتخابات دستورية مما يلزم الرئيس بالالتزام بالدستور واحترام مؤسسات الدولة "بعجرها وبجرها"، وتطهيرها بالأدوات القانونية والدستورية، كما يلزمه أن يتعامل مع كل الأحزاب والقوى بالظاهر "وإن علم عنها خلاف ذلك".
وبالفعل ناشد الرئيس المعارضة القبول بالحوار، وخص منهم الأكثر اتهامًا بالعنف والجنوح، وبالفعل تعامل الرئيس مع القضاة بكثير من الحكمة والهدوء، وكان من المفترض أن يضع حزب الرئيس على نفسه نفس القيود المفروضة على الرئيس، مما يعني الدعوة إلى الحلول المنطقية بينما تُزايد باقي أحزاب المعارضة على الرئيس مطالبة إياه بمطالب ثورية متجاهلة القيود الدستورية والقانونية والواقعية!
ولكن الذي حدث كان شيئًا عجيبًا... !
حيث توجَّه "حزب النور" توجهًا عقلانيًّا سبق فيه الرئيس أحيانًا -كما في أزمة القضاء- أو استجاب سريعًا لمطلبه.
ما زال "حزب النور" يؤكد أن الرئيس هو مَن دعا "كما في الحوار مع المعارضة"، ونحتاج إلى التأكيد على أن الموقف الرسمي للرئاسة حتى الآن هو اعتبار مبادرة "حزب النور" أحد أهم المبادرات المقدمة لأزمة الرئاسة مع المعارضة في الوقت الذي جنح فيه "حزب الحرية والعدالة" في هذين الموقفين الرئيسيين إلى تبني مطالب ثورية إلى حد التظاهر من أجل المطالبة بإقالة وزير العدل المعين بقرار من الرئيس!
ويبدو موقف كل من الحزبين في هاتين القضيتين مثيرًا لكثير من التساؤلات... بالنسبة لـ"حزب النور" أزعم أن موقفه نابع من الحرص على النصيحة الصادقة التي يضع فيها الناصح نفسه موضع المنصوح، ويحسب حساب كل المحددات بحيث يخرج بنصيحة عملية مناسبة، وهذا يبدو مستغربًا؛ لأن المزايدة السياسية وفق السياسية الميكافيلية من السلوكيات المباحة إباحة الماء والهواء!
أعلم أن كثيرًا ممن يقرأ هذا الكلام سيظل مختلفًا مع رؤى "حزب النور"، ولكن يبقى السؤال عن المزايدة السياسية: أين هنا من مواقف يبدو فيها الحزب أكثر مساندة للرئيس في صدور تصرفاته عن أساس دستوري وسياسي وواقعي سليم؟