كتبه/ مصطفى دياب
الحمد لله، الصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
فلقد رغب الله -تعالى- عباده المؤمنين في البذل والإنفاق، ووعدهم على ذلك الأجر العظيم، قال -تعالى-: (مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ) (البقرة:261).
وعن عدي بن حاتم -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: (اتَّقُوا النَّارَ وَلَوْ بَشِقِّ تَمْرَةٍ) (متفق عليه).
وعن أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه-، أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: (مَا مِنْ يَوْمٍ يُصْبِحُ الْعِبَاد فِيهِ إِلاَّ مَلَكَانَ يَنْزِلاَنِ، فَيَقُولُ أَحَدُهُمَا: اللهُمَّ أَعْطِ مُنْفِقًا خَلَفًا، وَيَقُولُ الآخَرُ: اللهُمَّ أعْطِ مُمْسِكًا تَلَفًا) (متفق عليه).
وعنه أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: (قَالَ اللهُ -عَزَّ وَجَلَّ-: أَنْفِقْ أُنْفِقْ عَلَيْكَ) (متفق عليه).
وعن جابر -رضي الله عنه- قال: "مَا سُئِلَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- شَيْئًا قَطُّ فَقَالَ: لا " (رواه مسلم).
فلا تحقرن من المعروف شيئًا ولو أن تلق أخاك بوجه طليق -مبتسم- فهي صدقة، والإنفاق في سبيل الله من أفضل الأعمال وأزكاها، فهو يزكي النفس، ويطهرها من رذائل الأنانية المقيتة، والأثرة القبيحة، والشح الذميم.
وقال ابن القيم -رحمه الله- في شأن الصدقة: "إن للصدقة تأثيرًا عجيبًا في دفع البلاء حتى ولو كانت من فاجر وظالم، فإن الله -تعالى- يدفع بها عنه أنواعًا من البلاء، قال -تعالى-: (وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ) (محمد:38)، وقال -تعالى-: (قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ) (سـبأ:39).
وقال -صلى الله عليه وسلم-: (مَا نَقَصَتْ صَدَقَةٌ مِنْ مَالٍ، وَمَا زَادَ اللَّهُ عَبْدًا بِعَفْوٍ إِلاَّ عِزًّا، وَمَا تَوَاضَعَ أَحَدٌ لِلَّهِ إِلاَّ رَفَعَهُ اللَّهُ) (رواه مسلم).
دعوة للإنفاق:
قال الله -تعالى-: (الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلاً وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ) (البقرة:268).
وقال -تعالى-: (هَا أَنْتُمْ هَؤُلاءِ تُدْعَوْنَ لِتُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَمِنْكُمْ مَنْ يَبْخَلُ وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ) (محمد:38).
وقال -تعالى-: (لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلا مَا آتَاهَا سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا) (الطلاق:7).
وعلى عيالك -أيضًا- صدقة:
قال -صلى الله عليه وسلم-: (أَفْضَلُ دِينَارٍ يُنْفِقُهُ الرَّجُلُ دِينَارٌ يُنْفِقُهُ عَلَى عِيَالِهِ، وَدِينَارٌ يُنْفِقُهُ الرَّجُلُ عَلَى دَابَّتِهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَدِينَارٌ يُنْفِقُهُ عَلَى أَصْحَابِهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ) (رواه مسلم).
وقال -صلى الله عليه وسلم-: (إِذَا أَنْفَقَ الرَّجُلُ عَلَى أَهْلِهِ نَفَقَةً وَهُوَ يَحْتَسِبُهَا، فَهِيَ لَهُ صَدَقَةٌ) (متفق عليه)، و(يَحْتَسِبُهَا) أي: يقصد بها وجه الله والتقرب إليه، وذلك؛ لما فيه من أداء الواجب وصلة الرحم.
بل حذر النبي -صلى الله عليه وسلم- من تضييع الأهل وعدم النفقة عليهم، فقال: (كَفَى بِالْمَرْءِ إِثْمًا أَنْ يُضَيِّعَ مَنْ يَقُوتُ) (رواه الإمام أحمد وحسنه الألباني)، أي: لو لم يكن له من الإثم إلا هذا التفريط في حق عياله كفاه في المؤاخذة عليه؛ لعظمه عند الله، وهذا يدل على حرمة إهمال شأن العيال، وعدم النفقة عليهم.