كتبه/ عبد المنعم الشحات
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
فـ"قبول الآخَر" أحد آخِر المصطلحات بروزًا لينضم إلى قائمة المصطلحات الرنانة التي يُستخدم معظمها في ترويج أفكار باطلة: كالتقدم، والتنوير إلى آخره...
وأصبح كل الأفراد والهيئات مطالبين بالمثول أمام محاكم تفتيش إعلامية تفتش عن أي شبهة رفض للآخر، ولا يَترُك لك هؤلاء المفتشون عن "رفض الآخر" أي فرصة لترى كيف يراك أنت؟ ومَنْ هو الآخَر الذي يَسأل عن قبولك أو رفضك له، بل لا يرضون منك بأقل من أن تحلف لهم بأغلظ الأيمان أنك تقبل الآخر، وتحترم الآخر، وتحرص على مشاعر الآخر وإلا كنتَ رجعيًا متزمتًا إلى آخر هذه القائمة من التهم المُعلبة؟! وهذا السؤال مما يصدق عليه قول شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: "تدبرت معظم مواطن الخلاف فوجدتها ترجع إلى الإجمال حيث يجب التفصيل".
فنقول لهؤلاء السائلين:
إذا كان المقصود بـ"نحن" المضمرة في السؤال "المسلمين"، وبالآخَر "غيرهم"؛ فالجواب -وفق دين الله لا وفق الأهواء- هو أننا:
أولاً: نسميهم بالكفار كما سمى الله به أهل الكتاب، فغيرهم من باب أولى؛ قال -تعالى-: (لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنْفَكِّينَ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ) (البينة:1).
وقال: (لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ) (المائدة:17)، وقال: (لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلاثَةٍ) (المائدة:73).
ثانيًا: أننا لا نرغم من يعيش منهم في بلاد المسلمين على الإسلام كما قال -تعالى-: (لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ... ) (البقرة:256)، ولكننا في ذات الوقت نعلم أن تمام الآية: (قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ)، فنرى أن أديانهم باطل وغي، وأن بيان ذلك من أوجب الواجبات.
ثالثًا: ونحن نلتزم في هذه الدعوة إلى دين الرشد "الإسلام"، وإلى ترك أديان الغي -التي هي كل ما عداه- بما أمر الله: (ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ) (النحل:125).
وما أجمل ما قاله ربعي بن عامر -رضي الله عنه- لـ"رستم" قائد الفرس: "إن الله ابتعثنا لإخراج العباد من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام، ومن ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة"
رابعًا: نحن نعتصم بالمنهج الشرعي الواجب تجاه مداهنات المشركين سواء تمت تحت مسمى الحوار أو التعايش السلمي أو غيره كما قال -تعالى-: (وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ) (القلم:9)، وكما قال لرسوله -صلى الله عليه وسلم-: (وَلَوْلا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلا . إِذًا لأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ ثُمَّ لا تَجِدُ لَكَ عَلَيْنَا نَصِيرًا) (الإسراء:74-75).
خامسًا: نحن لا نغفل أن للكافر الذمي أو المعاهد أو المستأمن حقوق من البر العام ذكرها الله في قوله: (لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ) (الممتحنة:8).
وقد خالف كثير من المعاصرين الآية إذ ادخلوا فيها: الحب، والنصرة، والرضا بالمداهنة! بل البدء فيها مما جاء النهي عنه صريحًا في كتاب الله ضاربين نصوص الكتاب والسنة بعضها ببعض، والصحيح كما قال ابن القيم -رحمه الله-: "فكان البر والإقساط المأمور بهما غير الحب والموالاة المنهي عنهما".
وزاد الطين بلة أن صَرَفوا هذه المعاني التي لا تجوز أن تصرف للمسالمين إلى المحاربين ممن بدت البغضاء من أفواههم حينما أفلتت كلمة من كبير لهم يصف حروبه المزعومة ضد ما سماه بالإرهاب بأنها حرب صليبية جديدة، ونحن نوقن أن ما تخفيه صدورهم أكبر؛ مصداقـًا لقوله -تعالى-: (قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ) (آل عمران:118)(1).
فنحن المسلمين لا يصح إيماننا إلا إذا كفرنا بكل دين يخالف دين الإسلام، وندعو جميع أصحاب هذه الأديان إلى الإسلام، وفي ذات الوقت نعامل مسالميهم بالبر والإحسان الذي أمر الله به.
هذا هو الموقف الشرعي الصحيح للمسلم من الكفار الذين يحاولون إخفاء وصفهم بالكفر تحت هذا الوصف العام "الآخر" الذي يشمل فيما يشمل من يخالفك في أمور لا تأثير لها: كاللون أو الجنس أو الوطن؛ فليرض هؤلاء "الآخريون" أو فليسخطوا فهذا هو دين الله!
ومع أن المحل الرئيسي لدعوة قبول الآخر هي الأديان إلا أنه يدخل فيها موقف أهل السنة من أهل البدع، والموقف الصحيح الذي ينبغي أن يأخذه المسلم المتبع لسنة النبي -صلى الله عليه وسلم- من البدع هو نفس الموقف الذي ينبغي أن يأخذه من المناهج الكفرية من ضرورة ردها وعدم المداهنة والمهادنة معها، ولزوم نصيحة الأمة بالتمسك بالسنة كما قال النبي -صلى الله غليه وسلم-: (فَإِنَّهُ مَنْ يَعِشْ مِنْكُمْ بَعْدِى فَسَيَرَى اخْتِلاَفًا كَثِيرًا فَعَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الْمَهْدِيِّينَ الرَّاشِدِينَ تَمَسَّكُوا بِهَا وَعَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الأُمُورِ فَإِنَّ كُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلاَلَةٌ) (رواه أبو داود والترمذي، وصححه الألباني).
فالبدع ضلالات يجب إنكارها كالكفريات وإن اختلفت الرتبة؛ بيد أنه هنا ينبغي أن يُعلم أن عدم "مهادنة" البدعة لا يلزم منه إنزال المبتدع منزلة الكافر وإهدار ما معه من أصل التوحيد، وأنه إذا كان الكافر قد حصل على الحقوق العامة جدًا للإنسان من واقع الشريعة الإسلامية لا من واقع المواثيق الأرضية؛ فإن المبتدع الذي لم يكفر ببدعته له الحقوق العامة للمسلم من عصمة النفس والمال، ومن جواز المناكحة، وحل الذبيحة، والصلاة معه وخلفه مع إنكار بدعته والتغليظ عليه بشأنها على حسبها ومقدارها.
وأما الآخر الذي يمكن قبوله وفق الأدلة الشرعية فهو ما كان الاختلاف فيه من الخلاف المقبول شرعًا وهو ما لا يصادم نصًا من الكتاب أو السنة أو الإجماع القديم أو القياس الجلي من دقائق المسائل كما في قوله -تعالى-: (فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلا آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا) (الأنبياء:79)، أو من المسائل التي جاء الشرع بصحة أكثر من مسلك في أدائها كتعدد القراءات الثابتة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- للآية الواحدة.
وهذا النوع الذي يقبل فيه الآخر شرعًا لا يكاد يخطر على بال أحد من المنادين بهذا الشعار فجلهم من العلمانيين الذين يطالبون المسلمين بقبول الأديان الكفرية، والكف حتى عن وصفها بالكفر فضلاً عن نقدها، وبعدهم من القوميين أو القوميين الإسلاميين أو من الإسلاميين أصحاب الأفكار التجميعية الذين يطلبون من الملتزمين بالسنة قبول البدعة والكف عن نقدها، وهؤلاء وأولئك مخالفون لدين الله -عز وجل-، وكما هو الحال في كل فكرة مخالفة للشرع فلابد وأن تجد فيها تناقضا ذاتيًا مصداقـًا؛ لقوله -تعالى-: (وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافًا كَثِيرًا) (النساء:82)، وأصحاب فكرة قبول الآخر يتناقضون تناقضات فجة ويتحولون إلى أشد درجات رفض الآخر، ولنضرب على ذلك بعض الأمثلة:
المثال الأول: وهو مما يقع منهم كلهم تقريبًا حينما يبالغون في الإنكار على السلفيين بتشنج بالغ؛ لأنهم رفضوا فكرة قبول الآخر، وكان ينبغي عليهم إذ قبلوا اليهود الذين يرون أن جميع العالم ينبغي أن يكون حميرًا لشعب الله المختار، والنصارى الناسبين لله الصاحبة والولد، والملحدين وغيرهم أن يعتبروا أن رافضي هذه الفكرة هم بالنسبة لهم أحد "الآخَرين" الذين ينبغي أن يقبلوهم، ولكن الواقع أن لكل أحد مرجعية عليا لا يقبل فيها خلافـًا، ويقبل الخلاف في كل ما عداها طالما لم يخل بها، هذه الفكرة عند الغرب هي الحرية و الديمقراطية، وعند "الآخرين" هي قبول الآخر، وينبغي أن تكون عند المسلمين هي: "الرجوع إلى الكتاب والسنة بفهم سلف الأمة"، ونحن نقبل كل خلاف لا يخل بهذا الأصل، ونرفض كل خلاف يخل به كحالهم تمامًا مع أصلهم في قبول الآخر ورفض، بل و"إقصاء" من يرفضه.
وقريب من هذا موقف الدعوات التي ترفع شعار "نتعاون فيما اتفقنا عليه ويعذر بعضنا بعضًا فيما اختلفنا فيه"، ويُطبَّقون هذه القاعدة على أصحاب البدع، بل على من هم من شر أصحاب البدع كـ"الروافض"، وعندما يرفض السلفيون تلك القاعدة لا يعاملونهم بها وإنما يحملون عليهم ويتهمونهم بأنهم هم سبب بلاء الأمة.
فإذا كانت هذه القاعدة عند هذه الاتجاهات مما لا يسوغ فيها الخلاف ولا يقبل فيها "الآخر" مع مخالفتها للقاعدة النبوية عند ظهور الخلاف: (فَعَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الْمَهْدِيِّينَ الرَّاشِدِينَ تَمَسَّكُوا بِهَا وَعَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ) فنحن نرى أن القاعدة النبوية مما لا يجوز فيها الخلاف، ومما لا يجوز "مجاملة الآخرين" على حسابها.
المثال الثاني: يحاول بعض متطرفي "الآخرين" أن يستحضروا أصحاب "وحدة الوجود" و"وحدة الأديان": كالحلاج، وابن عربي كنماذج صارخة على قبول الآخر، وفي الواقع أن الحلاج وابن عربي تصوروا أن الله هو بعينه كل الكون أو حل فيه على الأقل، وبالتالي فكل من اختار صورة من هذا الكون للعبادة فهي وفق معتقدهم إحدى صور الحق، ولكن ماذا لو قال أحد أن معبوده هو الإله الحق، وأن الباقي ليسوا كذلك، الواقع أن سيرة الحلاج وابن عربي تدل على أنهما لم يقبلا ذلك الآخر فهذا الحلاج يبالغ في الإنكار والمخاصمة لصاحب له؛ لأنه رآه يسب دين اليهود! وهذا ابن عربي لا يكف في "فتوحاته" عن سب الأشاعرة والحنبلية على حد وصفه لما لهم من آراء تساهم في حد الخالق من وجهة نظره.
ولنا أن نتصور ماذا لو ناظر الحلاج أو ابن عربي يهوديًا أو نصرانيًا ووجد أن كلاً منهم يقول بأن ملته هي الحق وأن ما عداها باطل؟
القياس المنطقي يقول أنهما كانا سينكران عليهما؟ ولكن مثل هذه المواجهة لم تحدث؛ لأن الشياطين التي تحرك هذه الأفكار الهدامة تحركها صوب الحق لهدمه بينما تزيد الكفار حرصًا على دينهم (وَاصْبِرُوا عَلَى آلِهَتِكُمْ) ورغبة في إزالة دين الحق.
المثال الثالث: الدكتور "زقزوق" رجل من أشد المؤمنين بفكرة قبول الآخر حتى أن توجيهاته لخطبائه لا تخرج عادة عن الـتأكيد على هذا المعنى؛ مع أنه في ذات الوقت من أشد الناقدين للسلفية الساخرين منها!
وفي سياق ذلك جاءت كلمته التي ألقاها خلال الندوة التي عقدها المجلس الأعلى للشئون الإسلامية أمس ضمن الموسم الثقافي بمسجد النور، ونقلت جريدة المصريون الإلكترونية مقتطفات منها بتاريخ 4 - 5 - 2010، والتي قال فيها عن أصحاب اللحى الطويلة: "إن أصحاب الذقون التي تصل إلى الصدر يعتبرون ذلك دليلاً على العلم في حين أن "لحية أبي جهل" كانت أطول من اللحى التي نراها اليوم"!
وطبعًا هذا نوع من رفض "لحية السلفيين" لا نظنه يمكنه أن يقول أو أن يسمح لأحد من خطبائه أن يقله على "لحية قسيس" أو "حاخام"! ولكن الذي يستوقفك هنا ليس معاملته للسلفية بنظرية الرفض المطلق؛ فهذا ليس بجديد عليه، ولكن هجومه اللاذع على "أبي جهل" مما يدل أن احترام الرجل للآخر ليس نابعًا من قناعة، وإنما نابعًا من حسابات أخرى، ولا أظن أن "أبا جهل" أو مشركي العرب بصفة عامة كان فيهم ما يستدعي إخراجهم من قاعدة احترام الآخر عند من يتشدق بها، بل إن أبا جهل هو الذي سعى في محاولات المداهنة التي قال الله فيها: (وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ)، وبالطبع نحن نعادي "أبا جهل" قريش كما نعادي كل رؤوس الكفر وما أكثرهم في زماننا، وما أشبه حقدهم على أتباع النبي -صلى الله عليه وسلم- بحقد أبي جهل عليه!
عمومًا فإن اعتبار الدكتور "زفزوق" لأبي جهل أنموذجًا يُضرب به المثل في السوء أمر يدل على أن الحق ما زال يجد له صدى في القلوب طالما لم تكن هناك مؤثرات خارجية، ويبقى الدكتور مطالبًا بتوضيح الفرق بين أبي جهل الأمس ونظرائه اليوم، ونحن منتظرون(2).
المثال الرابع: وبطلي هذا الموقف رجلان: بالَغ أحدهما في مطالبة الآخر "المسلمين" باحترامه واستيعابه وعدم جرح مشاعره، وعدم دعوة أتباع دينه، وعدم.. وعدم... بل تعدى السلب إلى الإيجاب بلزوم الاهتمام بأعياده والاعتناء بها واعتبارها مناسبات عامة إلى آخره...! بينما لم يلزِم أتباعه بأي حرف من ذلك؛ فأتباعه يتعلمون أن كل من لم يؤمن بعقائدهم فهو خارج عن الملكوت، وأن دين المسلمين فيه كذا وكذا... من المساوئ المزعومة التي صاروا يستطيعون تكرارها في ظل خلو الساحة ممن يفند هذه الشبهات!
وأما الثاني: فبوصفه في حس نفسه إمامًا عامًا للمسلمين قَبِل بكل ترحاب كل ما يطلبه الطرف الآخر حتى أفتى بأن من أوجه البر والصدقة أن يتبرع المسلم لبناء الكنائس!
جمع الاثنين لقاء إعلامي ذكر الأول فيها طرفة عن سلوك رجل الدين المسلم والنصراني واليهودي مع أموال الصدقات، ومع أن النكتة بالإضافة إلى كونها كذب كان فيها خطاب لله بما لا يليق على لسان الحاخام اليهودي وكان فيها -من غير قصد غالبًا- إظهار رجال الدين الثلاثة أنهم لا يتورعون في الجملة عن مال الصدقات إلا أنها في النهاية أظهرت الحاخام اليهودي أنه بينما اكتفى صاحباه بقسط من مال الصدقة أخذه هو كاملاً بحيلة خبيثة، وعلق الشيخ على تلك النكتة بقوله: "هذه نكتة طريفة لطيفة ظريفة... !".
وهذه "النكتة" التي فيها طعن على دين إحدى "الأقليات" من رجل يريد أن يجعل حقوق أقليته الدينية مساوية إن لم تكن أعلى من حقوق دين الأغلبية ثم هذا الاستحسان ممن يوافق على ذلك كله بدعوى أنه ما يمليه عليه دينه.
فلماذا أملى عليه دينه قبول هذا والسخرية من ذاك وهما في النهاية أهل كتاب لهما في الإسلام نفس الحقوق التي ليس منها بلا شك ما يسمونه بـ"قبول الآخر"!
وهذه الأمثلة ليست إلا نزرًا يسيرًا مما يقع من القوم من أمور تدل على أنه لا يكاد يوجد من يؤمن بضرورة "قبول الآخر"، وإنما هو ستار يتخذه المداهنون لتبرير مداهنتهم؛ لأن تسمية الأمور باسمها سوف يُسفر عن حقيقة حكمها في الشرع (وَلا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيمًا).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) يمارس الغرب وإسرائيل ضغطًا كبيرًا على بلاد المسلمين؛ لإزالة حالة العداء العقدي بينهم وبين المسلمين، وهذا مخالف لدين الله -وإن جاز عقد المعاهدات والصلح مع اليهود ومع غير اليهود-، ولكن المعاهدة والصلح المؤقت شيء وإزالة العداوة القلبية شيء آخر؛ هذا إذا كانوا صادقين في دعواهم؛ فكيف إذا كانت تلك الدعاوى لا تروَّج إلا في بلاد المسلمين بينما يظل الأعداء معلنين ما ضاقت به صدورهم من العداوة وما خفي كان أعظم؟!
وقد استغلت إسرائيل معاهدة السلام مع مصر والتي ردت بموجبها سيناء إلى مصر على دفعات، ومع كثير من القيود على بسط السيادة المصرية عليها مع استمرارها في احتلال بقعة أخرى من بلاد المسلمين، ومع استمرار سيطرتها على المسجد الأقصى، ومع استمرار عدوانها على المساجد وهي في ذات الوقت تمارس تفتيشًا عجيبًا على وسائل الإعلام ومناهج التعليم، وتم تغيير المناهج عدة مرات لا سيما مناهج التربية الدينية التي حذف منها كثير من آيات الجهاد والنصوص التي تبين كفر اليهود والنصارى، ومناهج اللغة العربية التي حذف منها أناشيد الحماسة القتالية، ومع ذلك فبعد كل "تطوير" يزعمون أن المناهج ما زالت تحتوي على عداء لهم!
ومن المضحكات المبكيات أن يتم الإعلان عن خطة جديدة لهذا التشويه للدين والخضوع لأعداء الله والقبول بالمداهنة، بل المسارعة فيها كما قال -تعالى-: (فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ) (المائدة:52)، في وقت تخرج إسرائيل فيها من حالة العداء الكامن على مصر عن طريق تحريض دول منابع النيل ضد مصر! وبدلاً من أن يُقابل ذلك بالاستنفار ورفع حالة الممانعة المعنوية يُقابل بمزيد من تحريف الدين من أجلهم، ومع ذلك فهم لم ولن يرضوا: (وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ) (البقرة:120)!
(2) وقع الدكتور في تناقض آخر خاص بقضية المظهر والجوهر، وهي: قضية يدندن حولها الكثيرون مطالبين السلفيين ألا يُقصروا اهتمامهم بالمظهر؛ فإذا وافقتهم على ذلك وقلت إنه لا بد من الاهتمام بالمظهر والجوهر معًا فوجئت بأنه لا يرضى إلا أن تخرج المظهر من حساباتك تمامًا فإذا بدأت في مناقشتهم وجدت أن القوم غارقون في تعظيم المستورد من الغرب، وأن متى خالفته إلى المظهر الإسلامي ما تراه منه واجبًا وما تراه منه مستحبًا، ما تدعو إليه الآخرين وما لا تدعوهم إليه اتهموك أنت بالاهتمام بالمظهر، بل إذا أنكرت مظاهر مخالفة للشرع وفي التزامها تعسير على الناس كـ"سرادقات العزاء" ونحوها... وطالبت بالتيسير على أهل الميت؛ كان الاتهام: إن السلفيين هم الذين يهتمون بالمظهر، وها هنا بعد ما استنكر لحية السلفيين واعترض عليه أحد الحاضرين عاد وقال: "إنه ليس ضد اللحية بشرط "تهذيبها!". إذن فهو يتدخل وبشدة في حق مظهر الآخرين، ويرفضهم لمجرد اختيارهم مظهرًا لا يراه هو ملائمًا!