الموقع الرسمي لفضيلة الشيخ ياسر برهامي
الثلاثاء 07 أكتوبر 2025 - 15 ربيع الثاني 1447هـ

الألباني.. إمامُ الحديث في العصر الحديث (9)

كتبه/ ساري مراجع الصنقري

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛  

فعلى الرغم من نباهة الفتى ناصر في دراسته، ونبوغه في اللغة العربية، وتعيير مُعلِّم اللغة ‏العربية السوريين به، إلا أنّه وقر في نفسه أن يعمل نجّارًا في المستقبل!‏

ولو كنتُ زميلًا لهذا الفتى وعلمتُ ما وقر في نفسه لَشوَّقني هذا الأمر، ولَتملَّكني حب الاستطلاع ‏فتساءلتُ: تُرى مَن هذا القادم الغريب الذي لا عهد له بنا ولا بالعربية، فيتفوق علينا فيها، ومع ‏ذلك يهوى أن يكون نجّارًا؟!‏

وبعد زمنٍ طويلٍ يجيب الشَّيخُ الألباني عن هذا التساؤل قائلًا: "كان مُعلِّم اللغة والتاريخ أحمد ‏حلمي -رحمه الله- يقول لي: أرناؤوط! أنت بمجرد أن تخرج من المدرسة ستصبح كسّار حطب؟

يشير إلى أنّ قومنا كُلَّهم الذين هاجروا إلى دمشقَ لَم يكن فيهم صاحبُ صنعة، فإمّا كسّارين حطب ‏وإمّا كسّارين حجارة! فالطرق يومئذٍ كانت تُرصَف بالحجارة؛ فإمّا أن يكون مُوظَّفًا في البلدية، وإمّا ‏أن يلحق بالفلّاحين الذين يأتون بالخشب من القرى لتكسيرها، فتجد البغال والجمال مُحمَّلةً بخشب ‏الجوز أو المشمش والأرناؤوطيّ يمشي معها، ويأتي المشتري، ومع تنزيل الحِمل يحتاج المشتري ‏إلى كسّار فيجد الأرناؤوطي، فهكذا كانوا يعيشون.‏ فيقول لي المُعلِّم: أترغب في أن تكون كسّار حطب؟ فأقول له: لا؛ وقد أُلقِي في نفسي أن أكون ‏نجّارًا" (انتهى).‏

ويُصدِّقُ العملُ ما وقر في قلب الفتى، فلمّا حصل على الشهادة الابتدائية رفض أبوه الشيخ نوح أن ‏يكمل دراسته النِّظاميّة؛ لأنّها لا تعتني بدراسة العلوم الدينية، ولا تعمل على التربية الإسلامية، ‏فما وجد الفتى أمامه إلا أن يعمل في النِّجارة، وهي المهنة التي يهواها منذ بدايات دراسته.

وحكي ‏لنا الألباني قِصَّتَه قائلًا: "لمَّا أخذتُ الشهادة الابتدائية عمِلتُ مع مُعلِّمَين، أحدُهما خالٌ لي، نجّار، ‏اسمه إسماعيل، وآخَرُ دمشقيّ، لكن هذه النجارة نجارةٌ عربية، أي: تصليح البيوت القديمة التي ‏كانت مَبنيّةً بالطوب والأعمدة الخشبية، فهذه سرعان ما تخرب بسبب الثُّلوج والأمطار، إلخ، فتحتاج إلى نجّار يُرقِّع هذه الأمور، فأنا كنت اشتغلت عند هؤلاء النجّارين، والذي ‏يصير أنّه في أيّام الشتاء يكون هناك ثلجٌ وبردٌ ومطر، فلا يوجد عمل، فماذا أفعل؟ أذهبُ في ‏الصَّباح إلى المُعلِّم، فيقول لي: يا بُنيّ، اليوم لا يوجد عمل، فأنت ترى البرد والمطر! فأمُرّ على ‏والدي في الدُّكّان، فأُلقِي عليه السلام، فيردّ عليّ السلام، ويقول: لا عمل لك اليوم؟ فأقول: لا ‏يوجد عمل؛ وفي يومٍ من الأيّام قال لي: يا بُنيّ، ما يُعجبني هذا العملُ، تعملُ يومًا أو يومَين ولا ‏تعملُ يومًا أو يومَين!" (انتهى).‏

فتُرى ماذا فعل الحاج نوح مع ابنه ناصر؟ هل أبدى عدم رضائه عن عمل الفتى فقط دون أن ‏يُساعدَه أو أعانه على الخروج من هذا الضِّيق؟

سنجيبُ عن هذا في المقال القادم -إن شاء الله-.‏

ونَسألُ اللهَ الإعانة.‏