الموقع الرسمي لفضيلة الشيخ ياسر برهامي
الثلاثاء 04 فبراير 2025 - 5 شعبان 1446هـ

هل يقتصر معنى الضرر والعجز في الجهاد على المعنى الحسي؟

كتبه/ ياسر برهامي

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛  

فقد نصَّ القرآنُ على سقوط وجوب الجهاد عن الأعمى والأعرج، والمرضى، والضعفاء، ونحوهم، وذكر العلماء مثلهم عادم الأهبة والنفقة، ونحوهم؛ وذلك لقوله -تعالى-: (لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ) (الفتح: 17).

فهل تقتصر صورة الضرر المعتبر على هذه الأضرار الحسية -كما حاول البعض قصرها على ذلك- أم أنه عند غلبة الظن بحصول الأذى الجسيم على طائفة من المسلمين من هزيمة وقتل، وسبي وأسر من غير مصلحة راجحة تدخل في هذا المعنى كذلك؟

لا شك أن هذه الصورة داخلة في معنى العجز، وقد نص العلماء على حالة الضرورة، واحتمال نوع من الصغار فيها لدفع صغار أعظم منه.

وقد دَلَّت آيات سورة الأنفال على جواز ترك القتال إذا كان العدو يزيد على ضعف المسلمين؛ قال -تعالى-: (الْآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ) (الأنفال: 66).

روى ابن جرير عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: "لما نزلت هذه الآية: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفًا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا) (الأنفال: 65)، ثقلت على المسلمين، وأعظموا أن يقاتل عشرون مائتين، ومائة ألفًا فخفف الله عنهم فنسخها بالآية الأخرى، فقال: (الْآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَقال: وكانوا إذا كانوا على الشطر من عدوهم لم ينبغِ لهم أن يفروا منهم، وإن كانوا دون ذلك لم يجب عليهم أن يقاتلوا، وجاز لم أن يتحوزوا عنهم" (تفسير الطبري).

قال الكاساني -رحمه الله-:"الغزاة إذا جاءهم جمع من المشركين ما لا طاقة لهم به وخافوهم أن يقتلوهم فلا بأس لهم أن ينحازوا إلى بعض أمصار المسلمين، أو إلى بعض جيوشهم. والحكم في هذا الباب لغالب الرأي وأكبر الظن دون العدد؛ فإن غلب ظن الغزاة أنهم يقاومونهم يلزمهم الثبات وإن كانوا أقل عددًا منهم، وإن كان غالب ظنهم أنهم يُغلَبون، فلا بأس أن ينحازوا إلى المسلمين ليستعينوا بهم وإن كانوا أكثر عددًا من الكفرة، وكذا الواحد من الغزاة ليس معه سلاح مع اثنين منهم معهما سلاح، أو مع واحد منهم من الكفرة، ومعه سلاح؛ لا بأس أن يولي دبره متحيِّزًا إلى فئةٍ" (بدائع الصنائع).