كتبه/ كريم صديق
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
فالاتصال غير اللفظي، والذي يتمثَّل في تعابير الوجه والإيماءات، اتصال العين، والوقوف والجلوس، وحتى نبرة الصوت، حيث يعد هذا النوع من الاتصال أداة قوية من شأنها أن تساعد على التواصل مع الآخرين، والتعبير عن كثير من المعاني والمشاعر والأفكار، ونقل المواقف والتعبير عنها وتوصيلها للآخرين بسهولة ويسر. وهذا النوع من الاتصال يشكل 65 ? من عملية الاتصال عامة، كما أشارت بذلك البحوث التربوية التي أجريت في مجال الاتصال غير اللفظي.
مفهوم الاتصال غير اللفظي:
هناك من يرادف ما بين الاتصال غير اللفظي ولغة الإشارة التي تعرف بأنها: "مجموعات من الإشارات والمواقف التي تعتمد في إصدارها على المشاعر الداخلية والحالات الذهنية للمتحدث، يرسلها؛ ليعبر بها عن معان معينة، يرغب في إرسالها لمن يتواصل معه".
ويعرف الاتصال غير اللفظي بأنه: "جميع المهارات التي يستخدمها الفرد أثناء قيامه بالتعامل مع المحيطين به؛ بهدف إرسال واستقبال رسالة إليهم أو منهم، سواء كان ذلك هدفًا لتدعيم شكل التواصل اللفظي، أو أسلوبًا للتواصل غير لفظي في حدِّ ذاته، ومن هذه المهارات التواصل البصري، تعبيرات الوجه، الإشارات والإيماءات، التواصل بالصور والتي تؤدي إلى الغرض من العملية الاتصالية، وهو نقل أفكار الفرد إلى المحيطين به".
كما يعرف بأنه: "كل ما يصدر عن جسم الإنسان من حركات، أو إيماءات، أو إشارات، أو تعبيرات وجه، أو من خلال المظهر، أو الصوت وتغيراته؛ سواء كانت إرادية، أو غير إرادية، فطرية، أو مكتسبة، وتؤثر في عملية الاتصال بين المرسل والمستقبل".
والإشارة وحدها قد تغني عن اللفظ في الدلالة على المعنى، وقد تقترن باللفظ فتؤكد دلالته وتقويها في نفس السامع والرائي، إذ هي ترجمة له، فالمشير يومئ بيده أو برأسه للدلالة على معانٍ يقصدها ويريد إفهامها للرائي، كذلك قد يريد المتكلم باللفظة الواحدة أو الألفاظ القليلة الإيماء إلى معانٍ كثيرة، فالمعنى الدلالي للإشارة وثيق الصلة بالمصطلح البلاغي.
دلالات الإشارة بين البلاغيين:
سُئِل ابن المقفع عن البلاغة فقال: "البلاغة اسم جامع لمعان تجري في وجوه كثيرة، فمنها ما يكون في السكوت، ومنها ما يكون في الاستماع، ومنها ما يكون في الإشارة، ومنها ما يكون في الاحتجاج، ومنها ما يكون جوابًا، ومنها ما يكون شعرًا، ومنها ما يكون سجعًا وخطبًا، ومنها ما يكون رسائل، فعامة ما يكون من هذه الأبواب الإشارة إلى المعنى، والإيجاز هو البلاغة".
فابن المقفع يتحدث عن الإشارة، ويعدها إحدى وسائل التعبير عن المعاني بإيجاز وإفهام، وقد تكون إحدى الوسائل التي يستعملها البليغ للوصول إلى مقصوده، وبلوغ غرضه.
أما الجاحظ فيعرف البيان بقوله: "اسم جامع لكل شيء كشف لك قناع المعنى، وهتك الحجاب دون الضمير، حتى يفضي السامع إلى حقيقته، ويهجم على محصوله كائنًا ما كان، ذلك البيان، فبأي شيء بلغت الإفهام، وأوضحت المعنى فذلك هو البيان في ذلك الموضع".
وقد حصر الجاحظ أصناف البيان ودلالته على المعاني في خمسة أشياء: أولها: دلالة اللفظ. وثانيها: دلالة الإشارة. وثالثها: دلالة العقد. ورابعها: دلالة الخط. وخامسها: دلالة الحال أو النصبة. ويرى الجاحظ أن اللفظ والإشارة قد يشتركان معًا؛ لإيصال المعنى، وقد تضطلع الإشارة وحدها بالقيام بالمعنى، يقول الشاعر:
العينُ تبدي الذي في نفسِ صاحبِها من الــمــحــبةِ أو بـغـضٍ إذا كانا
والــعــيـنُ تنطقُ والأفواه صـامـتـة حتى ترى من ضميرِ القلبِ تبيانًا
أما ابن وهب الكاتب، فيرى أن الإشارة قد تكون أبلغ من التعبير بالكلم في بعض الحالات، كما جاء عن بعضهم: "رب إشارة أبلغ من عبارة"، ويقول: "والوحي على وجوه كثيرة، فمنه: الإشارة كما قال الله -عز وجل-: (فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ مِنَ الْمِحْرَابِ فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ أَنْ سَبِّحُوا بُكْرَةً وَعَشِيًّا) (مريم: 11).
وهو يجعل الإشارة مرادفة للإيجاز، فينقل عن بعضهم في وصف البلاغة عندما سئل عنها: "هي الاكتفاء في مقامات الإيجاز بالإشارة، والاقتدار في مواطن الإطالة على الغزارة".
وأما قدامة بن جعفر، فجعل الإشارة من أنواع ائتلاف اللفظ والمعنى، وعرفها بقوله: "هو أن يكون اللفظ القليل مشتملًا على معانٍ كثيرة بإيماء إليها أو لمحة تدل عليها".
وللحديث بقية -إن شاء الله-.