السؤال:
نرجو التعليق على الأحداث الحالية من حزب الله؟ وهل نساعدهم وندعو لهم، أم ما موقفنا تجاههم؟
الجواب:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
فأما الأحداث الحالية فهي أحداث متشابكة، ولا يصح موقف عام من كلِّ هذه السلة من هذه الأمور المحبوبة والمكروهة، ولا بد من التفصيل، فلا شك أن هناك أعمالًا قلبية واجبة، وهناك أعمال قولية واجبة أيضًا مع قضية متعلقة بالولاء والبراء، حتى وإن لم يتمكن المسلمون آحادًا من أن يدفعوا عن المسلمين في مكان آخر.
فأما بالنسبة إلى ظلم اليهود وطغيانهم وكفرهم؛ فلا شك أن كل مسلم يجب عليه أن يبغضهم في الله -عز وجل- أشد البغضاء؛ لأنهم أشد الناس عداوة للذين آمنوا، قال الله -تبارك وتعالى-: (لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا) (المائدة:82).
وقد دخل في الذين أشركوا النصارى الذين يعاونون اليهود، ويفرحون بما يفعلونه بالمسلمين من أذية وقتل في فلسطين، وأيضًا هم يعاونون ويخططون في العراق وفي غيرها، وهذا أمر لا بد أن يعتقده كل مسلم؛ لأن الترويج بأن العداوة بيننا وبينهم قد انتهت إلى الأبد، والسلام قد حل إلى الأبد؛ كل تلك الأمور دعاية خبيثة مناقضة للكتاب والسنة، ومناقضة لما أخبر النبي -صلى الله عليه وسلم- عن وقوعه، وإنما الهدنة أمر مؤقت، وهذا لا يشك فيه أي مسلم يعلم كتاب الله -عز وجل- وسنة نبيه -صلى الله عليه وسلم-.
وبغضهم هذا يقتضي البراءة منهم ومما يفعلون، وإذا زادوا في أذية المسلمين وبطشوا جبارين كبطش عاد وفرعون وأمثالهم؛ فهذا مما ينزل الله بأسه بهم بسببه؛ قال -تعالى-: (عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ) (الأعراف: 129)، ومهما زاد الأذى بالمسلمين؛ فإن الله -عز وجل- ناصرهم، وهو -عز وجل- ينتقم ممَّن أساء إليهم فضلًا عمَّن انتهك حرماتهم.
فلذا يجب على كلِّ مسلم أن يبغض هؤلاء الكفار من اليهود والنصارى، والغزاة المعتدين الظالمين في فلسطين ولبنان، والعراق وأفغانستان والشيشان، وفي كل مكان، ويجب بغض عملائهم وأعوانهم، ويفرح بكل ما يصيبهم من بلاء بأمر قدري، أو بأيدي مسلمين، أو بأيدي غيرهم؛ فلو أن الله -عز وجل- سلَّط عليهم مَن هو مثلهم في الشر أو من هو شرٌّ منهم ينتقم منهم، إن كان أخف أذية على المسلمين أو دونهم في الشر؛ فإن المسلم يفرح بما يصيبهم؛ فإنه عاقبة عدل من الله -عز وجل- وبأس ينزله الله بهم؛ فهذا أمر يفرح به المسلمون لظلم هؤلاء وطغيانهم وكفرهم، وعدائهم لأهل الإيمان؛ فهذا أول الأمور.
أما الأمر الثاني: فمَن يقاوم هؤلاء فمنهم أهل السنة إجمالًا وتفصيلًا؛ أعني من أهل السنة في الجملة، وإن كانوا يخالفون في أمور كثيرة، ودرجات القبول متفاوتة، أعني: يقبلون أمورًا كثيرة من المنكر بدرجات متفاوتة، وهناك تجاوزات، ولكن هؤلاء -بلا شك- في الجملة خيرٌ من غيرهم ممن لا ينتسب إلى السنة، فالمسلم يكره أذية أي مسلم ولو كان من أهل البدع؛ فكيف فيمن كان ينتسب إلى أهل السنة وعنده مخالفات؟
ولكن كما ذكرنا كل مسلم كما يفرح بنزول البأس بالكافرين يحزن من نزول الأذى على أي مسلم في دينه أو عِرضه أو ماله، ويسأل الله -عز وجل- للمسلمين أن يحفظ دماءهم وأعراضهم، ولو كان من أهل البدع.
فنحن لا نفرح بقتل كافر لمبتدع، ولو كان من الرافضة الذين لا يخرجون من الملة، أما غلاة الرافضة المرتدون الذين يؤلهون غير الله ويقولون بنبوة غير النبي -صلى الله عليه وسلم-؛ فهؤلاء شرٌّ من اليهود والنصارى؛ لأن المرتد شر من الكافر الأصلي.
أما عوام الرافضة من أهل العراق أو إيران أو لبنان فإن أكثر علماء أهل السنة على عدم تكفيرهم بالأعيان ولا بالعموم، ولكن هناك أقوال مكفرة من أقوالهم نوعًا تحتاج إلى إقامة الحجة قبل ثبوت ذلك، وكذا من كان عنده شبهة من شبهات التكفير لو كان من الخوارج لو قتله كافر لما فرحنا بذلك، فكيف وهو ليس من الخوارج مطلقًا؟ كمن يقتل من المسلمين في جهاد الأمريكان في العراق وفي أفغانستان، وبعضهم قد تكون عنده جرأة على التكفير، وقد يكون في بعض عملياتهم رهق كما كان عمر-رضي الله عنه- يقول: "إن في سيف خالد رهقًا" ومع ذلك فإن أبا بكر- رضي الله عنه- أبى أن يغمد هذا السيف الذي سلَّه الله -عز وجل- على الكافرين، لا نشبه هذا بذاك، ولكن نقول: قد تكون عندهم بعض الشبهات، وجرأة على التكفير، وجرأة على الدماء، لكن هذا لا يمنعنا أن نُدين مثل هذه التجاوزات ونُنكرها، ونُنكر هذه البدع، ولكن نكره أيضًا أن يُسفك دم مسلم من قِبَل كافر، فالذين هلَّلوا -مثلًا- لقتل أبي مصعب الزرقاوي؛ لأن الكفار فرحوا بذلك وتخلصوا منه، وجعلوه خارجًا؟ فعلى من خرج؟ على الأمريكان وأمثالهم؟!
فنقول: إن المسلم يكره أذية المسلم، ويحزنه ذلك، ولو كان من أهل البدع طالما أنهم لم يخرجوا من الملة -والله أعلم-، ولو حتى من الصوفية طالما لم تثبت ردتهم أو ردة أحدهم، فنكره أن يؤذيهم كافر وينتهك حرماتهم؛ لأنه ما زالت معهم "لا إله إلا الله" لم تُنقض بالكلية إلا أن يرتد أحدهم، فهذا موقفنا من هذا.
ولكن في نفس الوقت لا يجعلنا ذلك -أعني كراهيتنا لأذيتهم وحبنا لظهورهم على من خالفهم من الكفار- أننا نرضى ببدعهم، أو أننا نوافقهم على بدعهم، خصوصًا شر أهل البدع على الإطلاق المنتسبين للإسلام "الرافضة"؛ فإن انتصارهم دائمًا يجر على أهل السنة أنواع الوبال، ونعلم من تاريخهم الطويل موالاتهم لأعداء الإسلام وإن أظهروا أحيانًا مقاومتهم عبر تاريخهم، فإنما -كنا كما ذكرنا مقدمًا- نكره أن يؤذيهم كافر بأن ينتهك حرمتهم، أو أن يسفك دماءهم، ولا نفرح بقتل واحد من المسلمين أيًّا مَن كان طالما انتسب إلى الإسلام ولم يخرج عنه إلى الردة ولو كان مبتدعًا، فكيف بعوام المسلمين المستضعفين؟!
ولكن ذلك لا يعني أن نغض الطرف عن البدع والمنكرات، وما ينتظر أهل السنة على أيديهم من أنواع الأذى، مع العلم أنهم يكفرون أهل السنة، ويجعلونهم مرتدين، وعندهم أنهم شر من اليهود والنصارى، وتاريخهم مملوء بذلك، وحرصهم على قتل المسلمين مستمر، وإن كان ذلك لا يعنى أن نحرص نحن على قتلهم.
فحرص الخوارج على قتل أمير المؤمنين علي -رضي الله عنه- لم يجعله ينتقم منهم -مثلًا-، أو يقاتلهم كما يقاتل الكفار، بل ظل على العدل معهم الذي شرعه الله -عز وجل-، وحين قتالهم بعد ما سفكوا الدم الحرام، وظهر عليهم؛ فرَّق مَن بقي منهم في قبائلهم، وعاملهم في الجملة معاملة أهل الإسلام.
ولا بد أن نعلم أن الرافضة في العراق -وفي غيرها- إن توقفوا قليلًا عن أذية أهل السنة؛ فإنهم إن تمكنوا منهم آذوهم أشد الإيذاء أشد من إيذاء اليهود والنصارى لهم؛ ولذلك لا نفرح بظهور هؤلاء ظهورًا تامًّا يؤدي إلى أذية أهل السنة.
فإن الشيعة في العراق عندما ظهروا عاونوا الأمريكان، وعاونوا أعداء الإسلام، وقاموا بموالاتهم موالاة ظاهرة -والعياذ بالله- تقتضي هذه الموالاة أن يلحقوا بهم في الحكم عليهم، فلا تتوقع من هؤلاء الرافضة أن يكونوا في حنان على أهل السنة إذا ظهروا ظهورًا يمكِّنهم من الفتك بهم، وأهل السنة في إيران يعانون معاناة عظيمة، وكل مكان يظهر فيه الرافضة يُذلون أهل السنة إذلالاً بالغًا، ويحاولون انتهاك حرماتهم بكل طريق، ويكفي أنهم يقتلونهم على الهوية؛ يوقفون السيارات ويقتلونهم على الهوية!
أيضًا لا تظن أن حزب الله في لبنان بعيد عن هؤلاء، وإن كنا كما ذكرنا نبيِّن أن الموقف حزمة من المحبوبات والمكروهات، ونحن نفصِّل في كل أمر منها: نحب منه كذا ونكره منه كذا كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- أن المسلم العاصي والمبتدع يُحب لأجل إسلامه ويُبغض على بدعته، وكلما غلظت البدعة كلما ازدادت البغضاء له على بدعته، مع احتفاظنا بحب "لا إله إلا الله" التي معه وحب شهادة "محمد رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" التي معه، ويُحب ظهور من يقول "لا إله إلا الله" على الكافر الذي يُنكر ذلك ويجحده ويطعن في النبي- صلى الله عليه وسلم- وفي القرآن وفي دين الإسلام وفي توحيد الله -عز وجل-.
ثم نقول: لا بد من انتظار النتائج؛ لأن كثيرًا من الأمور تبدأ بدايات معينة، ثم تنتهي بنهايات تكون في مصلحة الكفار، والتاريخ مملوء بذلك، تبدأ البدايات بطولية ثم تنتهي بنهايات مأساوية، مثل ما وقع في الحرب بعد الحرب العالمية الأولى في فتح "أزمير" حتى هلل الشعراء لكمال أتاتورك، ثم كان أشد الناس عداوة لأهل الإسلام، وفاتكًا بهم فتكًا ما فتكه الكفار لا بأعدائهم ولا بالمسلمين! -نسأل الله العافية-.
فمثل ذلك نقول: لا تتعجلوا.
ثم قضية المصالح والمفاسد لا بد أن تُراعَى، وإن كنا الآن لأجل ألا نفت في عضد أحد من المسلمين، نسأل الله -عز وجل- أن يكف الكفار عن المسلمين، ولكن لا بد أن يراعي أهل كل محلة أمر المصالح والمفاسد، وأمر القدرة والعدل، لا أن يُقدِموا بغير حسابات، ولكن على أي حال نسأل الله -عز وجل- أن ينصر المسلمين في كل مكان، وأن يعصم دماء المسلمين.
أما سؤال: هل ندعو لهم؟
نقول: ادعوا للمسلمين في كل مكان، ولكن هل نخص مَن يسب أبا بكر وعمر، وغيرهما من الصحابة -رضي الله عنهم- بالدعاء؟!
ادعوا للمسلمين، وادعوا أن يزيل الله -عز وجل- شر البدع وشر الضلال، وشر المنكر الذي يفعلونه، ونسأل الله -عز وجل- أن يهديهم، وأن يكف بأس اليهود، ويكف شرهم، هم والنصارى وأعداء الإسلام والمنافقين أعداء الدين الذين يصدون عن سبيل الله -عز وجل- ولا عبرة عندهم بدماء المسلمين، وكم من المسلمين -ولا حول ولا قوة إلا بالله- لا يعبأ بدماء المسلمين التي تُسفك، ونسأل الله العافية.
والمسلمون المستضعفون هم الذين يدفعون الثمن دائمًا في كل المواطن، وهناك مَن يتسلَّق على جماجم الناس، ويأخذ البطولات على دماء الناس، وربما لم يتحقق للمسلمين شيء، فلا تستعجلوا حتى نرى النتائج لمثل هذه الأمور.
ونسأل الله العافية.