الموقع الرسمي لفضيلة الشيخ ياسر برهامي
الثلاثاء 30 يوليه 2024 - 24 محرم 1446هـ

هل يكفر المبتدع إذا أقيمت عليه الحجة؟

السؤال:

1- قرأت أن الأصل في كل بدعة أنها كفر؛ لأن حقيقة البدعة أنها تشريع من الدين ما لم يأذن به الله، وقد قال الله -عز وجل-: (أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُم مِّنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَن بِهِ اللَّهُ) (الشورى: 21)، فمن ابتدع بدعة: كالمولد، أو غيره، فحقيقة أمره أنه أتى بدين لم يأتِ به الله، وزعم أنه دين لله، فمثل هذا كفر وردة؛ لأنه تحليل وتحريم، فهل على ذلك كل بدعة تعتبر كفرًا ولو كانت صغيرة؟

2- هل يكفر صاحب البدعة إذا أقيمت عليه الحجة، لكنه أصر عليها بغرض الهوى، أو لغرض الدنيا؟

الجواب:

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

1- فهذا فهم غير سديد لكلام أهل العلم؛ فإنما تكون البدعة كفرًا إذا رأى المبتدع أنه له أن يشرِّع من دون الله، ويُدخِل ذلك في الدِّين، وليس هذا حال أهل البدع، بل هم يتأولون أن الأصل ثابت، أو أن هذا من المصالح المرسلة أو الاستحسان، مع خطئهم في ذلك.

فلا يصح إطلاق أن البدعة في الأصل كفر هكذا بإطلاق حتى أدخلت فيها بدعة المولد؛ فهذه ليست عند أحدٍ من أهل العلم كفرًا، بل قد قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "وَكَذَلِكَ سَائِرُ الثِّنْتَيْنِ وَالسَّبْعِينَ فِرْقَةً مَنْ كَانَ مِنْهُمْ مُنَافِقًا فَهُوَ كَافِرٌ فِي الْبَاطِنِ، وَمَنْ لَمْ يَكُنْ مُنَافِقًا، بَلْ كَانَ مُؤْمِنًا بِاَللَّهِ وَرَسُولِهِ فِي الْبَاطِنِ لَمْ يَكُنْ كَافِرًا فِي الْبَاطِنِ وَإِنْ أَخْطَأَ فِي التَّأْوِيلِ كَائِنًا مَا كَانَ خَطَؤُهُ؛ وَقَدْ يَكُونُ فِي بَعْضِهِمْ شُعْبَةٌ مِنْ شُعَبِ النِّفَاقِ وَلَا يَكُونُ فِيهِ النِّفَاقُ الَّذِي يَكُونُ صَاحِبُهُ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنْ النَّارِ. وَمَنْ قَالَ: إنَّ الثِّنْتَيْنِ وَالسَّبْعِينَ فِرْقَةً كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ يَكْفُرُ كُفْرًا يَنْقُلُ عَنْ الْمِلَّةِ؛ فَقَدْ خَالَفَ الْكِتَابَ وَالسُّنَّةَ، وَإِجْمَاعَ الصَّحَابَةِ -رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ-، بَلْ وَإِجْمَاعَ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ، وَغَيْرِ الْأَرْبَعَةِ؛ فَلَيْسَ فِيهِمْ مَنْ كَفَّرَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الثِّنْتَيْنِ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً، وَإِنَّمَا يُكَفِّرُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا بِبَعْضِ الْمَقَالَاتِ" (مجموع الفتاوى).

2- إنما يكفر مِن أصحاب البدع مَن أُقِيمت عليه الحجة الرسالية التي يكفر مخالفها، وليست كل الحجج كذلك، بل علي وابن عباس -رضي الله عنهما- وهما مَن ناظرا الخوارج وأقاما عليهم الحجة لم يكفراهم؛ لأن هذه الحجة ليست في حقهم من النوع الذي يكفر مخالفه، وهو المنتشر المعلوم من الدِّين بالضرورة، أو أقر صاحب البدعة بالحجة ثم استمر على مخالفتها.