كتبه/ محمود أمين
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
ذكرنا آنفًا -في المقال السابق- أن هناك مَن يريد تصفية خصومته مع الدعوة السلفية في شخص الشيخ ياسر برهامي لأجل الاختلاف في المنهج والمواقف، وبعضهم يصدق بكل ما يسمع، وكفى بالمرء كذبًا أن يحدث بكل ما سمع. وبعضهم له خلافات شخصية مع بعض الأفراد العاملين في كيان الدعوة السلفية فلا تمنعه المروءة من أن يساهم في هجومه على الشيخ استغلالًا لموجة الترند، وحديث الميديا!
هذه هي حقيقة الأمر!
وأما الدعاوى التي يدعيها هؤلاء؛ فإما أنها تهم كاذبة لا حقيقة لها: كادعاء أن هناك بيعة لدى الدعوة السلفية -رغم نفي ذلك في الحديث العام والخاص، وهذا أمر لا يخفى على من يعمل مع كيان الدعوة السلفية-، أو رمي الشيخ بالعصبية والحزبية.
ومع أن لفظ العصبية والحزبية يحتاج إلى تحرير، فالتعصب للحق والتحزب والتعاون على إقامته مشروع كما قال الله -تعالى-: (أُولَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) (المجادلة: 22)، وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (لا تَزالُ عِصابَةٌ مِن أُمَّتي يُقاتِلُونَ على أَمْرِ اللهِ، قاهِرِينَ لِعَدُوِّهِمْ، لا يَضُرُّهُمْ مَن خالَفَهُمْ، حتّى تَأْتِيَهُمُ السّاعَةُ وَهُمْ على ذلكَ) (رواه مسلم)، فالتعصب والتحزب قد يكون ممدوحًا أو مذمومًا، بحسب ما يضاف إليه.
إلا أن البعض أيضًا يظن أن مِن عدم التعصب أن تسكت عن الأخطاء والمناهج والأفكار المخالفة للكتاب والسنة، ولمنهج الأنبياء؛ فلا يحق لك أن تتحدث مثلًا عمَّن يتكلم ببدعة؛ لأنه من الدعاة أو الوعاظ، أو من أهل العلم؛ وإلا كنت متعصبًا حزبيًّا مقيتًا!
فأين النصيحة لله ولرسوله -صلى الله عليه وسلم-، ولكتابه، ولأئمة المسلمين وعامتهم؟!
وأين البيان الذي أخذه الله على أهل العلم أن يبينوه؟!
وهل ترك التحذير من بدع: كعدم العذر بالجهل أو التكفير، أو عدم اعتبار المصالح والمفاسد في الجهاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هو نصيحة للمسلمين؟!
ألم نجرب مرارة أن ينساق الناس رجالًا ونساءً، شبابًا وصغارًا وكبارًا مع حديث العاطفة غير المنضبطة في رابعة وما تلاها من أحداث؟!
هل توقفت جماعات التكفير عن رمي الأنظمة والدول والمجتمعات وأهل العلم بالكفر والنفاق بعد أحداث غزة؟!
فبيان الضوابط الشرعية والتحذير من الأخطاء التي وقع فيها بعض الوعاظ أو الدعاة أو أهل العلم ليست من العصبية المذمومة، بل هي من النصيحة الواجبة.
وكان على هؤلاء أن يتأكدوا من صدق ما نحدثهم عنه لا أن يسارعوا بالاتهام بالعصبية والتحزب.
وبعضهم انتقد الشيخ ياسر بما هو من حسناته، فقال: إن الشيخ يدعو لجماعة.
وهل الدعوة إلى الاجتماع والتعاون على البر والتقوى -الذي جاءت عشرات الأدلة من الكتاب والسنة تحض عليه- يكون مذمومًا؟
وهل يمكن أن تقام الواجبات والفروض الكفائية الضخمة بغير تعاون واجتماع؟
أليست الوسائل لها أحكام المقاصد؟ أليست عمومات الأدلة تدعو لذلك؟
ألم يستدل العلماء على وجوب الولايات بذلك؟
ثم ما الفارق بين هذا التعاون وبين ما يقوم به الدعاة الفرديون في القنوات الفضائية وتنظيم دروسهم التي تكون بتعاون واجتماع وإدارة ونظام؟
لا فارق إلا مجرد التحكم، فكأنهم يقولون اجتماعنا مشروع، وأما اجتماعكم فعصبية وتحزب مقيت.
ولم يكتفِ بعضهم بذلك، بل قال: إنه لا يعجبه أن تكون عبدًا، معرِّضًا بالدعوة السلفية، وكأنها تقود أتباعها كالعبيد!
فهل التعاون المشروع الذي دلت عليه الأدلة والالتزام برأي الشورى التي يتخذها أهل العلم والخبرة يقال عمن يلتزم به أنه عبد؟
فبماذا تسمون تقليد العامي وطالب العلم للفتوى؟ هل يكون بتقليده للعالم عبدًا له؟
وهل لو كان الرأي عن مجمع علمي وجمع به عدد من العلماء وأهل الخبرة يكون المتبع له عبدًا؟
إن كل من يعرف الدعوة السلفية يعرف أن قادتها وأهل الشورى والرأي فيها هم العلماء وطلبة العلم، وأنها لا تتخذ قراراتها إلا بالشورى، ينزل الشيخ ياسر برهامي وغيره من مشايخ الدعوة على رأي المجموع بعد الدراسة والمناقشة المستفيضة، ونرجو أن يكون هذا من أسباب التوفيق، لا ندعي العصمة، ولكن نرجو أن نكون سلكنا كل سبب وسبيل متاح للوصول للحق والقرار الصائب.
ثم إن طريق الدعوة في تعاملها مع أبنائها ومن يثق في مشايخها يكون بالتعليم وبيان الدليل والحوار الذي يزيل كل لبس عند المستمع والسائل فليست طاعة عمياء، بل إنما هي قيادة جماعية شورية من أهل العلم والخبرة وطاعة مبصرة من أبناء الدعوة ومن يثق بكلامهم.
وهكذا تجد أن مَن يطعن في الدعوة السلفية أو في الشيخ ياسر برهامي أو يخذل من التعاون معها أو ينفر من العمل الجماعي المنضبط أنه لا يقف مع نفسه ومنهجه موقفًا متسقًا. وأن حقيقة الأمر غير المعلن. وأن عمله هذا لا يصب إلا في مصلحة العلمانيين وتكوين، والغرب من خلفهم؛ الذين ودوا أن لو لم يكن للسلفيين قوة ولا كيان يحمل المنهج، حتى يصبح السلفيون شراذم متفرقين لا وزن لهم، ولا يكون لهم تأثير في الواقع المحيط، ولنا في اليمن والسودان وليبيا العبرة والمَثَل؛ بسبب غياب المنهج السلفي الإصلاحي، والكيان الذي يحمله في هذه البلاد.
ولقائل منهم أن يقول: كما أنكم تنتقدون غيركم فلغيركم أن ينتقدكم، فقد أوضحنا في الجواب عن هذا أن المخالف لا يتكلم في نقد حقيقي موضوعي، بل هي دعايات لا حقيقة لها من ادعاء التعصب والتحزب المذموم، أو جعل الحسنات سيئات كذم الاجتماع والتعاون الذي هو تعاون على الطاعات.
وأما من يقول غيرتم مواقفكم فندعوه إلى دراسة منصفة لمواقف الدعوة بتجرد والسماع من الدعوة لا عنها، وأحيله في ذلك لكتاب: (الدعوة السلفية بين التأصيل الشرعي والواقع المرعي) للشيخ عادل نصر، وكتاب: (الدعوة السلفية ومناهج التغيير للشيخ ياسر برهامي) الطبعة الأخيرة، وفيها مقارنة بين كلام الدعوة قبل الثورة وبعد الثورة، وكتاب: (جامع بيانات الدعوة السلفية)، وكتاب: (موقف الدعوة السلفية من الثورة المصرية بين المنهج والتطبيق حتى لا يشوه المنهج أو يزور التاريخ) لأكاديمية أسس، وكتاب: (المسيرة السياسية لحزب النور) للمهندس احمد الشحات.
وأما النصيحة الصادقة فتُقبَل من أي أحدٍ، وأبناء الدعوة السلفية -بحمد الله- يقومون بواجب التناصح الداخلي، والتقييم المستمر لكلِّ مواقفهم، ويقبلون قول كل ناصح صادق، ويضعون نصيحته في دائرة الشورى.
نسأل الله أن يلهمنا رشدنا، وأن يهدينا لسلوك الصراط المستقيم.