كتبه/ أنور حنيش
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
رحم الله شيخنا أبو إدريس رحمة واسعة، ورفع درجته في عليين.
مما لا شك فيه أن موت العلماء فاجعة؛ خاصة إذا كانوا من الرعيل الأول ومن المؤسسين، لكن الملفت للانتباه هو: ماذا بعد الوفاة؟ هل من صدقة جارية وعمل يجري على صاحبه حسنات؟
مما لا شك أن الشيخ -رحمه الله- ورفاقه من مشايخنا، قاموا بتأسيس هذه الدعوة السلفية المباركة على منهج السلف الصالح من الصحابة والتابعين -رضي الله عنهم أجمعين-، في وقت كانت الأفكار والمناهج الصدامية هي الأبرز والأكثر تنظيمًا، والأقوى حضورًا على أرض الواقع، والأكثر استقطابًا للشباب الباحث عن الالتزام.
وبتوفيق الله -تعالى- وعونه وفَّق مجموعة من الشباب وهداهم للمنهج السلفي المتبع للدليل "قرآن وسنة بفهم سلف الأمة".
قوبلت هذه الدعوة الوليدة بشتى أنواع المضايقات؛ خاصة من الجماعات الموجودة آنذاك، فلم يكن لهم مقر أو مسجد يعملون فيه، ويدعون الناس إلى المنهج الحق، فكانوا يدعون الناس في الطرقات والمواصلات، وبدأوا يكونون مجموعات تدعوا إلى الله، وبدأ الشباب يستمعون لهم وينضمون إليهم، ولا أريد أن أستطرد كثيرًا في هذه الحقبة؛ لأنها طويلة وتفاصيلها كثيرة.
وبدأت الدعوة في الانتشار، وبدأت المضايقات والتحديات تزداد، وانتقلت من مسمى المدرسة السلفية إلى الدعوة السلفية، ووضعت لها شعارًا: القرآن والسنة بفهم سلف الأمة.
وبما أن المشايخ -حفظهم الله- كانوا طلبة في جامعة الإسكندرية، وكان لهم احتكاك بكثير من الشباب المغتربين من المحافظات الأخرى، وهذا مما ساعد في انتشار الدعوة -بفضل الله تعالى-، وانتقلت من حيز المجموعة الصغيرة إلى أن تكون مؤسسة وكيان في كل محافظات مصر ومراكزها، بل وقراها ونجوعها من السلوم إلى أسوان.
وواجهت هذه الدعوة تحديات كبيرة وأمواجًا عاتية، ومتغيرات كثيرة ومنعطفات خطيرة، منذ التأسيس وإلى ما قبل أحداث 2011م، وما بعد ذلك إلى يومنا هذا.
متغيرات ونوازل تئن لحملها الجبال الراسيات؛ كل هذا وشيخنا ووالدنا أبو إدريس -رحمه الله- على رأس هذه الدعوة ورئيس مجلس إدارتها، وكم من دعوات وكيانات وجماعات غرقت في تلك الأحداث وتلاشت وفقدت أبناءها بين قتيل وسجين ومنتكس، ونحن بفضل من الله وتوفيقه لمشايخنا وإعمالهم للقواعد الشرعية، وحكمتهم وعلمهم وديانتهم، نجوا بنا جميعًا من تلك الأعاصير والفتن، وهذا من بركات المنهج والعمل المؤسسي الذى أرسى قواعده شيخنا أبو إدريس -رحمه الله- ومعه رفقاء دربه مشايخنا -حفظهم الله-.
ولك أن تتخيل كيف مرت عليهم تلك الأحداث العصيبة وهم يريدون الحفاظ على دعوتهم وأبنائهم والكيان الذي أفنوا أعمارهم لأجله.
نتعلم من ذلك: أن نحافظ على هذه الدعوة السلفية المباركة، وأن نعطيها أثمن الأوقات.
نتعلم من ذلك: أن نحافظ على العمل المؤسسي والجماعي ففيه كل خير وبركة.
نتعلم من ذلك: أن نحفظ الجميل لمن أفنى عمره حتى وصل المنهج إلينا كما هو بصفائه ونقائه، وأن نكون من الأوفياء، فلا تنسوه من الدعاء وباقي مشايخنا.
نتعلم من ذلك: أن العمل المؤسسي صدقة جارية للعبد بعد موته، خلاف من يعمل بفردية فتموت دعوته بموته وتمرض بمرضه وتتوقف بتوقفه.
ولك أن تتخيل: ما من عمل قائم لهذه الدعوة في أي مكان إلا ولشيخنا فيه حظ ونصيب -بإذن الله-؛ فهو من أسس وعمل ودعا، وأفنى عمره في ذلك.
والله إنه لدرس لمن أراد الخير والفلاح، وأن تكون صحيفته مفتوحة تدون فيها الحسنات كل لحظة، اللهم ارزقنا الإخلاص.
رحل الشيخ وبقي أثره وبصمته دعوة وكيانًا، نسأل الله أن يخلف على دعوتنا خيرًا.