كتبه/ محمود أمين
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
فيعجز القلم ويحار المرء عند الكتابة عن أهل الفضل والسبق، وذلك أن ما في النفس لا توفيه العبارات، وفكرت كثيرًا في كتابة رثاء في وفاة الشيخ أبي إدريس، ولكن أدركت أنني لن أحسن توفية الشيخ حقه وقدره، وذلك أنني لم أخالطه في عمل كثير ولم أجتمع به لوقت كبير فآثرت أن أترك هذا المجال لأهل العلم والفضل من مشايخنا ممن هم أولى بالكتابة عنه، ووجدت أن أكثر ما يمكن أن أذكر به مما ينفع إخواني ويكون في ميزان حسنات الشيخ -رحمه الله- هو أن أكتب شيئًا من تلك الوصايا التي أوصانا بها في اللقاءات القليلة التي جمعتنا به، وهي رغم قلتها؛ إلا أنها حوت الكثير من الدرر والفوائد.
من أكثر الكلمات التي سمعتها من الشيخ أبي إدريس، وكان يكررها دومًا الاهتمام بالحفاظ على الشورى والعمل المؤسسي والمحافظة على الكيان الدعوي والمنهج السلفي.
فكان مما حفظته ودونته من كلماته في لقاء جمعنا به في شهر جمادى الآخر سنة ????هـ (أي: قبل عام تقريبا من وفاته) قوله: أتمنى أن يدوم هذا الاجتماع والتواجد المستمر في اللقاء؛ لأن هذا الأمر يساعد على الاستمرار والحفاظ على هذا الكيان.
وتحدث عن المراحل التي مرَّ بها كيان الدعوة السلفية، وخصوصا مرحلة ما بعد ثورة يناير ???? والتي تم فيها إنشاء عدة مؤسسات دعوية، والتي كان فيها قرار الدعوة السلفية بالمشاركة السياسية، ثم تأسيس حزب النور والذي أسسه أفراد من الدعوة السلفية لتكون النظرة الإصلاحية نظرة تقوم على الإصلاح في كافة المجالات.
وكان مما أوصى به في هذا الشأن أن هذه الطريقة في العمل هي نفس الطريقة التي بدأت بها الدعوة السلفية عملها، وهي النظرة الإصلاحية في كافة المجالات.
ونصح بأهمية المراجعة المستمرة للدور الإصلاحي لنصل إلى الصورة الصحيحة في تحقيق مثل هذه الأهداف، وأوصى بأهمية قناعة الأفراد بهذا العمل والتمسك بالمنهج السلفي والذي سارت عليه الدعوة عبر هذه السنوات الطويلة.
وكان مما قاله الشيخ: السنة الماضية أتم التواجد السلفي خمسون عامًا، وهذا العام أتم واحد وخمسون عامًا، فمن غير المعقول أن تمر السنين وتقل قناعتنا بالعمل الإداري، وبالنظام في العمل الدعوي، بل المطلوب هو الزيادة في النظام.
وكان مما ذكره الشيخ: أن الكثيرين توقعوا للدعوة السلفية الفشل بعد ثورة يناير، ولكن كان الأمر على خلاف توقعهم -بحمد الله-.
وكان مما قال: البعض ظن أن العمل بنظام لا يمكن أن يتم دون بيعة وسمع وطاعة عمياء إلا أن التواجد والنجاحات التي حققتها هذه الدعوة كسرت القاعدة التي تبناها هؤلاء، فيمكننا أن نعمل دون بيعة ودون اشتراطات خاصة في السمع والطاعة من خلال تمسكنا الإيماني والداخلي بأهمية الأهداف التي أعلناها، والتي نسعى إليها من القيام بالدور الإصلاحي في المجتمع.
وكان مما أوصى به الشيخ: أهمية الوعي والإدراك بخطورة المرحلة التي تمر بها البلاد، وأن القيام بالدور الدعوي الإصلاحي في هذه البلاد نعمة كبيرة تحتاج إلى شكر، وإلى حسن القيام بالدور المطلوب، وإلى مزيد من البذل.
وكان مما قاله الشيخ: أن عصب نجاح العمل الدعوي هو بناء الأفراد وتماسك القيادات.
كانت هذه بعض الكلمات القليلة التي حفظتها ووعيتها عنه، فأسأل الله أن ينفعنا بها، وأن يجزيه بها خيرًا، وأن يجمعنا به في جنات النعيم.