كتبه/ شريف الهواري
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
ففي الحقيقة لا أستطيع أن أصف حالي عند الحديث عن الشيخ أبي إدريس، فلا زلت في إطار الصدمة -كما يقولون-، ولكن إن كان ولا بد من كلمات تكتب، فأقول: إن سماعي عن الشيخ شيء والتقائي به واحتكاكي به شيء آخر تمامًا.
فقد كنت أسمع عنه أنه قَيِّم الدعوة وله هيبة، وله تأثير وله نظرات آسرة، وطريقة في الحوار بأدب جم وأخلاق لم أرَ لها نظير، ولكن حينما خالطت الشيخ خلال وجودي في مجلس الإدارة الأول المؤقت والثاني وإلى الآن؛ في الحقيقة وجدت أن الشيخ شخص رائع جدًّا، يعني عقلية إدارية فذة ورزانة وهدوء، وفي الحقيقة كان له تأثير رائع جدًّا على جميع أعضاء مجلس الإدارة.
وبطبيعة النقاشات التي قد تحتد فيها الأمور وتختلف وجهات النظر في المسائل الاجتهادية، كان الشيخ آخر من يتكلم حتى لا يؤثر في أحد، حتى إذا ما انتهى الجميع خرج بكلامه الذي يأتي على الجميع -بفضل الله تبارك وتعالى- بالإيجابية، فتستشعر الخبرة والحكمة، وحب الإسلام، والمنهج والكيان.
وكان في الحقيقة له تأثير عظيم علي في طريقة العمل في الدعوة، فبعد أن التقينا في المجلس بمدة كانت هناك جلسة خاصة بيني وبينه -عليه رحمة الله-، فقال: "أنا سأرشحك لتقوم بإدارة المكتب التنفيذي"، فقلت له: "يا شيخ هذا الموضوع كبير علي، وأنت تعرف الوضع والأمور..."، فقال لي: "إن شاء الله ربنا يوفقك، وأنا في ظهرك وتوكل على الله".
وفعلًا قام بترشيحي لذلك لمجلس الإدارة، ووافق مجلس الإدارة، ومن ساعتها ونحن نتعاون بقوة في العمل الإداري كمكتب تنفيذي مع رئيس مجلس الإدارة في أمور كثيرة، فما وجدنا منه غير ما يسمونه في العصر الحديث: "الإدارة بالحب"، فكان الأب والأخ الأكبر، وكنا ندير العمل بيننا بحب عظيم -بفضل الله تبارك وتعالى-.
والحقيقة: إننا نعجز أن نوفي الكلام حقه عن الشيخ في عجالة كهذه، لكن الذي أريد أن أقوله عن الشيخ -رحمه الله-: إنه قد علَّمنا أصول الشورى وإن كنا قد قرأناها، لكن كتطبيق في أرض الواقع الشيخ كان مدرسة في هذا الباب؛ لقد رسخ اللبنات الأولى للعمل المؤسسي الناجح، وكان حريصًا عليه، وكان يتابع سواء من خلال مجلس الإدارة أو من خلال اللقاءات الفردية، وكان متابعًا جيدًا جدًّا، ولا يهمل شيئًا، فحتى الجزئيات يسأل عنها ويطمئن عليها.
وكان دائمًا ما يوصينا بالتواصل مع إخواننا في المحافظات والمراكز، ويقول: "إن التواصل أعظم أسباب الحفاظ على الكيان وعلى العمل الجيد"، وكان دائمًا ما يوصيني بالمتابعة الجيدة، ويقول: "إن المتابعة الجيدة عامل رئيسي في نجاح أي عمل".
وفعلًا أخذت هذا منه، وكان له أثر بفضل الله -عز وجل- على المكتب التنفيذي، وتطور الأداء وتقدَّم حتى وصل إلى الحالة التي عرفها أبناء الدعوة جميعًا -بفضل الله عز وجل-، وهذا كله -بفضل الله- من توصيات الشيخ وخبرات الشيخ، وحب الشيخ للدعوة وبذله من أجلها.
وكلما أتذكر أنه -رحمه الله- كان يأتي الاجتماع مع تحذير الطبيب له بعدم النزول مع خطورة الحالة، أتعجب من شأنه! فهو كان من عادته أن يأتي مبكرًا لحضور مجلس الإدارة، وكان من أوائل الناس التي تأتي -عليه رحمة الله-، ولا يتخلف عن اجتماع، وأنا لا أعتقد أنه تخلف إلا إذا كان مسافرًا لحج أو عمرة، أما المرض فلم يكن يعتد به، بل يأتي وهو مريض -عليه رحمة الله-.