كتبه/ وائل سمير
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
فقد سمعت عن الشيخ "أبي إدريس" "محمد عبد الفتاح" قيم الدعوة السلفية بمصر في بداية التزامي مع الإخوة بالدعوة السلفية في طنطا عام 94، ولم أره إلا بعد الثورة وتشكيل مجلس إدارة الدعوة السلفية.
كان أول لقاء لي مع الشيخ -رحمه الله- في مسجد نور الإسلام بباكوس -مسجد الشيخ أحمد حطيبة-، حيث كانت تعقد اجتماعات مجلس الإدارة هناك أول الأمر، فكان يعلوه هيبة ووقار وسكينة في أقواله وحركاته.
وإذا كان المرء يتعلم ممن عاشره ورآه، فقد تعلمت من الشيخ -رحمه الله- في كل مرة كنت ألقاه فيها وأتحدث معه واستمع له، العديد والعديد من الخصال والآداب العملية، من ذلك:
تعلمت منه: التواضع الحقيقي قولًا وعملًا، فكان يحب أن نناديه بلقب: "الأخ أبو إدريس" وليس "الشيخ"!، ويقول: نحن لم نكن نقول في أيامنا لقب "شيخ"، وإنما كنا نقول لقب "أخ" لجميع إخواننا، وكلنا إخوة.
تعلمت منه: الزهد وعدم الإسراف في متاع الدنيا، فكان يكتفي بلقيمات من الطعام البسيط في إفطاره وغدائه، ويكره التكلف في الملبس والمأكل وينصح الإخوة بذلك.
تعلمت منه: حسن العرض وترتيب الحديث بكلمات موجزة هادئة تتخللها الابتسامة، فمع أنه لم يكن له خطبة أو درس منتظم؛ إلا انه كان إذا تكلم أنصت له الجميع.
تعلمت منه: عدم إضاعة الأوقات في الكلام الذي لا فائدة منه وعدم إطالة الاجتماعات أو الجلسات الإدارية، فقد كان حريصًا على وقته، ويكره السهر ليلًا، بل كان ينصحنا بعدم شرب القهوة أو المنبهات مساءً حتى لا نسهر ونضيع صلاة الفجر.
تعلمت منه: الحفاظ على الصلوات الفرائض في جماعة، فقد كان حريصًا على صلاة الجماعة وعدم تأخيرها.
تعلمت منه: احترام إخوانه وحسن الظن بهم مع الاستمساك بالعمل الجماعي والشورى.
تعلمت منه: الشورى في العمل وعدم استصغار أية نصيحة من أي أخ، فكان حريصًا على سماع آراء إخوانه.
تعلمت منه: الحلم والتأني والأناة مع التحري في نقل الكلام أو الحكم على المواقف والتصرفات.
فقد كان -رحمه الله- لديه اطلاع كبير على الماضي والواقع، ويحدثك عنه بمعلومات دقيقة وإضاءات مفيدة، فكنت أحب سماع تاريخ دعوتنا منه حيث كان يقصه بطريقة شيقة عميقة، تشعرك كأنك تعايش معه هذا الواقع، لم يكن يقص ذلك من باب القصص العابر وإنما ليستخرج لك الفوائد التي تستلهم منها الرؤية لواقعنا ومستقبلنا.
تعلمت منه: الجدية والانتظام في العمل، فكان مهتمًا -رحمه الله- بإتقان وترتيب العمل وتنظيمه، كان قليل الاعتذار ويحذر من التفريط في العمل، وهذا من الإحسان الذي يحبه الله -تعالى-.
تعلمت منه: القيادة الحكيمة الهادئة، فتشعر دائمًا معه بدفء القائد الذي يتمتع بالرؤية البعيدة الثاقبة مع النضج في فهم الواقع والتحري الدقيق.
تعلمت منه: احترام القيادة في العمل والجندية والالتزام في العمل الجماعي، فمع أنه كان قيم الدعوة السلفية ورئيسها؛ إلا أنه كان في الفعاليات المجمعة يسأل عن النظام المتبع ليلتزم به فكان -رحمه الله- مثالًا فذًّا في القيادة والجندية.
تعلمت منه: أن المنهج هو سبب بركة هذا الكيان، وأن هذا الكيان المؤسسي هو سبب البركة والخير لأبنائه، ولذلك كان حريصًا على أن نتعلم منهجنا جيدًا، ونلتزم به مع الحفاظ على كياننا، وأن الدعوة لا ترتبط بالأشخاص وإنما بالمنهج والكيان.
اللهم ارحم عبدك الشيخ "أبا إدريس" محمد عبد الفتاح، واجعل عمله ذلك في موازين حسناته.