كتبه/ أحمد شهاب
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
فمَن هؤلاء؟!
في خِضَم الأحداث، ومع الشعور بغصة مما يحدث لإخواننا مع ألم الشعور بالعجز وخوف التقصير في حقهم، مع محاولة للقيام بالممكن والسعي فيه حسب الطاقة مع الدعاء والدعم، ونشر القضية إلى غير ذلك من جهد المقل ثم الاستغفار من أي تقصير؛ في خضم كل ذلك يخرج علينا بعض هؤلاء الذين يشوهون كل جميل، ويقتلون كل خير، ويحبطون كل محاولة، ويحقرون كل اجتهاد!
أعداء الخير والجمال، وميكافيلليي المنهج؛ لا يراعون حرمة ولا مشاعر، ولا أخوة، ولا وطن، بل يستغلون أي قضية فيما يخدم مواقفهم السياسية دون نظر لمصلحة القضية نفسها وأهلها!
ما ذنب هذا الشعب ممَّن دعا واجتهد، ومَن تبرع مِن قوت أهله وعياله، ومَن أدار وأشرف ومَن عبأ ومن نقل، ومن يسر، ومن خاطر ومن سهر... أن يخرج عليه دنيء الخلق مثبطًا محبطًا متهمًا؟!
لا يرى هؤلاء الأباعد في آلاف الشاحنات إلا أكفانًا!
ولا في أطنان الأغذية إلا ما اقترب موعد انتهاء صلاحيتها!
لا يرون في التبرع بالدم إلا عجزًا!
ولا يسمعون من بيانات الأزهر والجمعيات والمؤسسات والدعوات وهتافات الجماهير إلا صمتًا!
ولا يرون في تعاطف أهل مصر كلهم إلا تخاذلًا!
ألا ترى دولة منهكة في ظروف اقتصادية سيئة، ومع ذلك يتبرع أهلها بأكثر من نصف تبرعات العالم لإخواننا -وهو أقل من حقهم-، بينما العالم كله مسلمه وكافره، قريبه وبعيده، غنيه وفقيره، يتبرع بأقل من نصفها!
ألا تراه أمرًا يستحق المدح والإشادة حتى وإن انتقدته في جانب آخر؟!
وبلا خجل يأتي هذا المخذول يشتمها ويسبها ويخونها، ثم يسكت عن دول أخرى موقفها أقل بكثير، بل بعض تلك الدول قد تكون مواقفه مخزية لكنه يعيش في بلادهم دون أن يهمس ببنت شفة لمصلحته الدنيوية الدنيئة!
ما المانع حتى وأنت تعارض سياسةً معينة أو تنتقد مسارًا اقتصاديًّا أو تصرفًا أمنيًّا محددًا -ما دام نقدك ومعارضتك بعلم وعدل-، أنك إذا رأيت شيئًا من الخير ووجدت بعض النور مدحته وأثنيت عليه؟!
وهذا مقتضى الحرص على الخير ومحبته، والعدل والإنصاف: (وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ) (المائدة: 8).
فهل هذا الخطاب الجاحد المعاند يخدم قضية إخواننا ويدعمهم؟!
هل هذا الأسلوب الرخيص يعين ويساعد على بذل المزيد أم يقطع ويخذل؟!
لكن البعض من هؤلاء لا يعرف للإنصاف طريقًا، ولا للعدل سبيلًا!
لا يرى الواحد منهم في الثوب أي بياض، لكن لا تقع أعينهم إلا على ما فيه من نقاط سوداء قلت أو كثرت.
لا ينكرون على من يعامل السوريين على أنهم لاجئين، بينما يكفرون من يسميهم ضيوفًا ويرحب بهم!
إن قبلت التهجير قالوا: باعوا الأرض والعرض، وينفذون صفقة القرن!
وإن رفضت التهجير قالوا: خذلوا إخوانهم ورفضوا استقبالهم!
كل من عاداهم فهو عدو للإسلام رغم أنفه!
وكل من لم يسر في ركابهم فهو خائن شاء أم أبى!
وكل من ناوأهم فأمه يهودية!
في كذب صريح وتسطيح للفكر واستخفاف بالعقل واستهتار بالحق مع عنترية جوفاء، وعجلة وطيش وخفة، ورعونة دون أدنى درجة من تحمل مسئولية أخطائهم.
ترى عددًا منهم يحرف الدين ويقر بالضلال في برلمانات أوروبا، ويفعل الأفاعيل في عدد من الدول ويصرح بالباطل؛ بلا اجتهاد، ولا علم ولا عدل، ويسميها مرونة سياسية وحكمة وعقلانية، وإذا فعل غيره ما هو حق من قياس صحيح للمصالح والمفاسد والإنصاف والعدل ممن هو أهل للاجتهاد -سواء أخطأ أم أصاب- سماها خيانة وعمالة.
لولا التشغيب لم نكن في حاجة أن نؤكد أننا لا نقر تقصير من قصر، ولا ندافع عن متخاذل، ولا نرضى بالعجز، لكن نلزم الإنصاف والعدل ونضع الأشياء في مواضعها، فالغاية لا تبرر الوسيلة.
ولا ندافع عن الحق بزور وبهتان، بل نقبل الحق من كل من جاء به، ونشجع الخير من كل من فعله، ونثني على الجهد وإن كان قليلًا لعله يستمر ويزيد، ونثمِّن أي بذل ولو كان يسيرًا رجاء المزيد.
ولا ننهى عن نور فيه ظلمة حتى نجد نورًا لا ظلمة فيه مع وصف النور بالنور والظلمة بالظلمة، ولا نبدل ولا نغير ولا نحيد، بل نحرص على البناء ولا نهدم الخير ولو كان قليلًا؛ بلا تيئيس ولا تحبيط، ولا تحزين، ولا سخرية ولا استهزاء.
بل أمر بالمعروف بمعروف ونهي عن المنكر بلا منكر، ودفاع عن الحق بحق؛ طريق طويل نسلكه بلا تعجل، وعلى الله قصد السبيل ومنها جائر ولو شاء لهداكم أجمعين.