كتبه/ سامح بسيوني
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
فاليهود ليسوا أهل سلام، والصراع معهم صراع قائم إلى قيام الساعة كما أخبر النبي -صلى الله عليه وسلم-: (لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يُقَاتِلَ الْمُسْلِمُونَ الْيَهُودَ فَيَقْتُلُهُمُ الْمُسْلِمُونَ، حَتَّى يَخْتَبِئَ الْيَهُودِيُّ مِنْ وَرَاءِ الْحَجَرِ وَالشَّجَرِ فَيَقُولُ الْحَجَرُ أَوِ الشَّجَرُ: يَا مُسْلِمُ يَا عَبْدَ اللهِ، هَذَا يَهُودِيٌّ خَلْفِي فَتَعَالَ فَاقْتُلْهُ، إِلَّا الْغَرْقَدَ فَإِنَّهُ مِنْ شَجَرِ الْيَهُودِ) (رواه مسلم).
ولن ينتهي الصراع مع اليهود بالسلام، بل هو قائم إلى قيام الساعة تكون لنا الدولة عليهم مرة فيصيبهم الذل والمهانة، وتكون لهم الدولة علينا مرة حينما نبتعد عن ديننا وشريعتنا، كما قال -صلى الله عليه وسلم-: (سَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ ذُلًّا لَا يَنْزِعُهُ حَتَّى تَرْجِعُوا إِلَى دِينِكُمْ) (رواه أبو داود، وصححه الألباني).
وهكذا الدولة لهم مرة والدولة لنا مرة -وليس شرطًا أن اليهود سيظلون محتلين للمسجد هذا الاحتلال الحالي إلى آخر الزمان، فقد يخرجون ونهزمهم ثم يعودون مرة أخرى حتى يأذن الله في قيام المعركة الكبرى مع وقوع ملاحم آخر الزمان، والتي ستكون الغلبة فيها للمسلمين كما في الحديث السابق: (يَا مُسْلِمُ يَا عَبْدَ اللهِ، هَذَا يَهُودِيٌّ خَلْفِي فَتَعَالَ فَاقْتُلْهُ، إِلَّا الْغَرْقَدَ فَإِنَّهُ مِنْ شَجَرِ الْيَهُودِ).
لذلك فلا بد أن نعي:
أن هذه العقود والاتفاقيات التي قد تُعقد هنا أو هناك مع يهود هي عقود مؤقتة -أو مطلقة بالتعبير الشرعي- مهما طالت لن تغير من الأمر شيئًا؛ إلا ما تحققه من مراعاة مصالح المسلمين طبقًا لموازين القدرة والعجز، والقوة والضعف الحالية.
إن الطريق إلى عودة المقدسات خالصة بأيدي المسلمين طريق طويل يحتاج إلى جهدٍ كبير، وعمل متتابع على مسارات متعددة: مسار إستراتيجي مستمر، ومسار وقتي حالي.
أما المسار الإستراتيجي؛ فالتحرك فيه بعِدَّة أمورٍ، منها:
1- العمل على تقوية الأمة في مراحل ضعفها -بإصلاح الفرد والأسرة والمجتمع، ومِن ثَمَّ الدولة فالأمة- بنشر مفاهيم الإسلام والإيمان والإحسان؛ فذلك من أجلِّ العبادات وأعظم القربات، ومن مراتب الجهاد التي يُتقرَّب بها إلى الله.
2- الحرص على تربية وبناء الجيل القادم من أبناء المسلمين علي معانٍ ثابتة ولازمة مِن:
- ترسيخِ صدق اللجوء إلى الله في النفوس.
- حسن التمسك والاعتزاز الدائم بشعائر الإسلام الظاهرة والباطنة في قوة وعزة وإيمان.
- سعي دائم ومستمر لتحصيل مقومات التقدم العلمي والتقني والإنساني اللازمة لبناء العمران وامتلاك القوة الرادعة لمَن تسول له نفسه على العدوان.
- العمل على استمرارية نشر قضايا الأمة الرئيسية بين الأجيال، مع دوام النصح المتتابع لهذا الجيل الحالي الذي غابت عنه كثير من المفاهيم المنهجية الصحيحة اللازمة لتحصيل أسباب النصر والتمكين: مِن ضرورة صحة الاعتقاد، وفهم ضوابط العقيدة الإسلامية في الولاء والبراء، ومسائل الإيمان والكفر، أو في بيان أنواع الجهاد ومراتبه وضوابطه، وفقه المصالح والمفاسد اللازمة في السياسة الشرعية.
3- السعي والعمل والحرص على حفظ بلاد المسلمين من التشرذم والتقسيم المخطط لها، فالفوضى والتشرذم لا يزيدنا إلا ضعفًا، بخلاف ما قد يراه الثوريون والتكفيريون الذين يسعون إلى الفوضى وهدم القائم وتقسيم المُقسَّم! أو ما يراه العاطفيون الذين قد يروجون للتهجير تحت ضغط الواقع الصعب الأليم، وقد رأينا بأنفسنا أثر ذلك من إضعاف للأمة بعد ما حدث في ليبيا وسوريا واليمن والعراق والسودان.
4- العمل على امتلاك قرارتنا السياسية طبقًا لمصالح أمتنا الخالصة، والتي لن تكون إلا باعتمادنا علي أنفسنا بتنمية علمية واقتصادية مستدامة توفر لشعوبنا حاجتها المطلوبة، وتمكننا من زراعة أرضنا، وبناء مصانعنا، وصناعة أسلحتنا؛ لنستطيع تحرير مقدستنا، والحفاظ عليها في أيدينا.
أما المسار الوقتي الحالي فيتمثل في:
1- نشر القضية في كلِّ الوسائل الإعلامية وبين كل الأفراد وعلى كل المستويات وفي كل المجتمعات العربية الإسلامية والغربية بجميع اللغات المتاحة لدحض شبهات اليهود حول أحقيتهم في تلك الأراضي الإسلامية المقدسة، وبيان أفعالهم الإجرامية.
2- الحرص على إبقاء القضية بصورتها العقدية حية باستمرار، والحذر من الهجمات الارتدادية المُمنهجة من المُطبِّعين والتي تُدار بمكر ودهاء وطرق عديدة، منها: محاولة تسطيح القضية أو تحويلها لمجرد قضية إنسانية، أو قضية أرض، أو قضية فصيل سياسي دون آخر.
3- العمل على دعم فصائل المقاومة الفلسطينية ودعم أهل فلسطين في الزود عن أنفسهم وحفظ أراضيهم ومقاومة المحتل اليهودي، وعدم الاستجابة لإرادة تهجيرهم من أراضيهم تحت قسوة العدوان وإجرامية القصف بكل المتاح من عدة وعتاد ومواقف دبلوماسية واضحة وقوية من الدول العربية السنية؛ لمنع إرهاصات تصفية القضية، مع الحذر كل الحذر من ترك الدفة في أيدي الروافض يحركونهم كيفما شاءوا طبقًا لمخططاتهم الخبيثة تحت غطاء الدعم والإعانة؛ فعَبر التاريخ الإسلامي كان الروافض والباطنيون هم الخنجر المسموم في ظهر الأمة الإسلامية مهما أظهروا من مودة لبعض أمرائهم في بعض أمرهم؛ فحالهم دائمًا كان كحصان طروادة الذي يمر الأعداء به إلى عمق الأمة ومصدر قوتها، والمتمثل في عقيدتها ليدمروها من داخلها، فهم يخدعون العديد من أبناء الأمة بتقيتهم وبعض أفعالهم المصلحية الخادعة.
والعجيب في ذلك عند من يتأمل التاريخ: أن فتح بيت المقدس لم يتم عبر التاريخ إلا بعد القضاء على الشيعة الروافض أو إضعاف تأثيرهم؛ ففي عهد صلاح الدين الأيوبي، وبالرغم من المحاولات العديدة التي تمت قبله في عصر عماد الدين زنكي ونور الدين محمود؛ إلا أنه لم يتم فتح بيت المقدس إلا بعد أن تم القضاء على الفاطميين الروافض حيث كانوا هم أكبر الخائنين للأمة؛ بتعاونهم السري مع الصليبيين ضد إمارات أهل السنة من المسلمين؛ لذا فالحذر واجب على أي عاقل صادق يسعي بجدٍ إلى عودة بيت المقدس والمسجد الأقصى لأحضان المسلمين، أن يُخدع من هؤلاء الروافض الذين يسبون أمهات المؤمنين، ويكفرون أصحاب النبي، وعلى رأسهم: أبو بكر، وأمير المؤمنين عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-؛ الفاتح الأول للقدس الشريف، وما مجازر حركة أمل الشيعية في مخيمات الفلسطينيين في جنوب لبنان عنا ببعيدٍ.
ومع هذا فالجدير بالذكر هنا: أيضًا أن ننتبه إلى أن التعاملات السياسية أو المصلحية المؤقتة التي قد تُضطر إليها بعض حكومات الدول الإسلامية السنية مع إيران -دولة الروافض- وأتباعها في أي مكان بحكم العلاقات الدولية أو بعض المصالح المشتركة؛ لا يجب أبدًا أن تكون -أعني تلك التعاملات السياسة أو المصلحية- سبيلًا للسماح لهم بتغير عقيدة الأجيال من أبناء أهل السنة من المسلمين عبر استخدامهم لتقيتهم ووسائلهم الخبيثة المصلحية أو تكون مبرًرا لمدح هؤلاء الروافض إعلاميًّا وتزكيتهم عند الأجيال، فهؤلاء خطرهم كبيير كخطر يهود، بل خطورتهم قد تكون أكثر نكاية في أهل السنة؛ لأن عداوة اليهود الكفار الأصليين معلومة للجميع، أما هؤلاء فيتدثرون بتقيتهم تحت سماء المسلمين، فيخدعون بذلك المغيبين العاطفيين أو الميكافليين من أبناء المسلمين.
4- من الواجبات الحالية أيضًا: أن نبث الأمل في النفوس، ونبذل كل ما في أيدينا من سبل الإصلاح؛ فمن أحسن فيما يقدر عليه؛ رزقه الله ما لم يكن يقدر عليه، بعيدًا عن اليأس والبكاء بلا عمل، فتلك صنعة البطالين.
وفي الختام: إننا إن قمنا بواجبنا كما بيَّنا بعضًا منه عاليه؛ حينئذٍ ستحرر أراضي المسلمين ويعود المسجد الأقصى محررًا عزيزًا أبيًّا لديار المسلمين؛ فذاك وعد الله الموعود لمَن حقق الشروط حيث قال -تعالى-: (وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ) (الأنبياء: 105).