كتبه/ ياسر برهامي
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
فإن ما يحدث في غزة وفلسطين من كفر اليهود وعدوانهم، وسفكهم الدماء المعصومة؛ لهو مِن أعظم أسباب الألم الذي يحدث للمؤمنين، ولكنه يتحول -بإذن الله وتوفيقه- إلى أنواع من العبودية لله لا تحصل إلا بوجود الألم، ومن أعظم ذلك: الشكوى إلى الله، فنشكو إلى الله بثنا وحزننا الظلم الواقع علينا في فلسطين والمسجد الأقصى، ونعلم أنه العليم الحكيم ما قدَّر ذلك إلا لحكمة أن يصبر أهل الإيمان، ويثبتوا على الحق، وأن لا يهنوا في إقامة دينهم، ولا يحزنوا على ما أصابهم؛ فإن قتلاهم في الجنة ارتقوا واستراحوا من الحياة المريرة التي يعيشها أكثر أهل الإسلام، قال الله -تعالى-: (وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ . إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ . وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ) (آل عمران: 139-141).
فإن البلاء فيه مِن الفوائد والعظات وإحياء قلوب الأمة ما لا يمكن إدراكة بدوام الرخاء والسعة، بل زهرة الحياة الدنيا فتنة للناس، ووجود البلاء على أهل الإيمان يجعلهم أقرب إلى الله -سبحانه وتعالى-، وبالصبر واليقين تنال الإمامة في الدين، قال -تعالى-: (وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ) (السجدة: 24).
وشدة العدوان عليهم من أعدائهم وأذاهم لهم من موجبات هلاك هؤلاء الأعداء، واستخلاف المسلمين في الأرض كما قال -سبحانه وتعالى-: (قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ . قَالُوا أُوذِينَا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَأْتِيَنَا وَمِنْ بَعْدِ مَا جِئْتَنَا قَالَ عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ) (الأعراف: 128-129).
فقد قرب إهلاك اليهود المجرمين والأمريكان العتاة الطاغين، وأهل الغرب المجرمين المعاونين لهم على ظلمهم وفسادهم، وأعظم البشارات: بشارة القرآن بنصر المؤمنين ومحق الكافرين، وإن عتوا عتوًّا كبيرًا؛ فقد عتى الصليبيون في فلسطين فوق التسعين عامًا؛ قتلًا وتدميرًا وتنجيسًا للمساجد ثم انتصر الإسلام، وعادت القدس إلى المسلمين.
وعتى التتار عتوًّا كبيرًا في زمنٍ كان المسلمون فيه من عددهم الآن أضعافًا، فقتلوا في بغداد وحدها مليون وثمانمائة ألف مسلم ومسلمة، وقبلها وبعدها في بلاد الإسلام المختلفة من أواسط آسيا إلى أن أتوا بلادنا في الشرق الأوسط، ثم انتصر الإسلام وغلبهم ودخلوا فيه، وساروا من الشعوب المجاهدة في سبيل الله!
وأحب أن أبشِّر نفسي وإخواني حتى لا تيأس النفوس من شدة الأسى، قال الله -تعالى-: (وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ . إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنصُورُونَ . وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ) (الصافات: 171-173).
فبقدر اجتهادنا في أن نكون في عباد الله الصالحين وجنده المخلصين، بقدر ما يحصل لنا النصر، قال الله -عز وجل-: (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ) (النور: 55).
فبالإيمان والعمل الصالح وعبادة الله وترك الشرك يمكِّن الله لعباده المؤمنين؛ قال الله -عز وجل-: (وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ . وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُم مَّا كَانُوا يَحْذَرُونَ) (القصص: 5-6).
فإرادة الله في كسر الجبارين الطغاة ماضية، والمن على المستضعفين من المؤمنين حاصلة، وإن طال الزمان فلا بد من حصول ذلك، قال الله -تعالى-: (وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ . إِنَّ فِي هَ?ذَا لَبَلَاغًا لِّقَوْمٍ عَابِدِينَ . وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ) (الأنبياء: 105-107).
ولا بد أن تعم الرحمة، ولكن على أيدي العابدين الصالحين الملتزمين بأمر الله ورسوله -صلى الله عليه وسلم-: (إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ كُبِتُوا كَمَا كُبِتَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَقَدْ أَنْزَلْنَا آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ مُهِينٌ) (المجادلة: 5)، وقال -سبحانه-: (إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ فِي الْأَذَلِّينَ . كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ) (المجادلة: 20-21)، فالذل حاصل لمَن عادى الله ورسوله، قال -تعالى-: (وَمَنْ يُشَاقِقِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) (الأنفال: 13).
وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (لَيَبْلُغَنَّ هَذَا الْأَمْرُ مَا بَلَغَ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ، وَلَا يَتْرُكُ اللهُ بَيْتَ مَدَرٍ وَلَا وَبَرٍ إِلَّا أَدْخَلَهُ اللهُ هَذَا الدِّينَ، بِعِزِّ عَزِيزٍ أَوْ بِذُلِّ ذَلِيلٍ، عِزًّا يُعِزُّ اللهُ بِهِ الْإِسْلَامَ، وَذُلًّا يُذِلُّ اللهُ بِهِ الْكُفْرَ) (رواه أحمد، وصححه الألباني).
فأبشروا يا عباد الله بقرب هلاك الظالمين المجرمين الكافرين، وبعزة الإسلام والمسلمين، والله المستعان، وهو حسبنا ونعم الوكيل.