كتبه/ سامح بسيوني
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
فمِن أمثلة المفاهيم والقوانين التي يحاول أعداء الأمة تمريرها في هذه الأوقات تحت غطاءات متنوعة؛ لتقويض نظام الأسرة في الإسلام، والقضاء عليه وهدمه:
أولًا: اقتسام مال الزوج عند الطلاق كما يحدث في الغرب:
حيث قُدِّمت بعض الاقتراحات، بأن تُجعَل في وثيقة الزواج مادة للاتفاق على النسبة التي تحصل عليها المرأة في حالة الطلاق من مال الزوج -كما يحدث في الدول الغربية من مقاسمة المال بين الرجل والمرأة بعد الطلاق-، مستندين في ذلك -تلبيسًا على الناس- إلى ما يسمى بفتوى "الكد والسعاية" المعروفة في المذهب المالكي في بلاد المغرب العربي، وهي فتوى خاصة لبعض المالكية في بعض مناطق المغرب التي يقوم العرف فيها على أن المرأة تعمل مع زوجها في ماله وتساهم في تنميته: كزراعة أرضه، وتربية ماشيته، وحيث يمكنها عند تقسيم الميراث، أن تدعي أنها لم تكن متطوعة، ومِن ثَمَّ يُقضَى لها بسهم في هذا المال.
وهذا الاستناد الذي يتبناه البعض لمحاولة إضفاء غطاء شرعي ديني على الغرض الأساسي -فكرة اقتسام المال التي تزهد في الزواج- يمكن دحضه بسهولة على النحو الآتي:
1- فتوى الكد والسعاية، ليست فتوى واحدة، وليست محل إجماع من المالكية عامة، بل ولا من مالكية المغرب خاصة.
2- فتاوى المالكية تتحدث عن عمل الزوجة في مال زوجها، وليس عن إنفاق مال، سواء كان عندها مال مدخر، أو مال اكتسبته من عمل عند الغير.
3- فتوى الكد والسعاية على هذا النحو لا تخص الزوجة، بل تتعلق بكل أفراد الأسرة ممن يساهم في تنمية المال بالعمل مع رب الأسرة.
4- فتوى الكد والسعاية بُنيت أساسًا عند بعض مالكية المغرب على تحرج المرأة أن تُطالب بذلك المقابل، وبالتالي فمن يطرح الآن اشتراط المرأة في عقد الزواج حصولها على مقابل الكد والسعاية، ينسف الأصل الذي بُنيت عليه الفتوى، وهو استشعار الزوجة للحرج!
5- القول باشتراط مسألة الكد والسعاية في وثيقة الزواج، قد يفُضي إلى فساد العقد، لجمعه بين معنى الزواج والشركة، أو الزواج والإجارة، أو الزواج والقرض، وهي الصور التي يمكن أن يظهر بها عمل المرأة، والذي يمكن توصيفه بأنه شراكة أو إيجار عمل أو قرض.
6- الأصل أن الشريعة الإسلامية جعلت لكلٍّ مِن الزوج والزوجة ذمة مالية مستقلة، وهو أمر مجمع عليه في الشريعة الإسلامية، والمهر يؤكد هذا؛ فهو شيء يدفعه الزوج من ماله إلى الزوجة ليصبح ملكًا لها لا يحق له إجبارها على أخذه، وفوق هذا أوجبت الشريعة أيضًا على الزوج النفقة على زوجته وإن كانت ذات مال، بخلاف ما درج عليه الغرب من اقتسام النفقة بينهم، واعتبار أن عقد الزواج كما لوكان متضمنًا عقد شركة يؤسسون عليه أن نماء مجموع ثروتي الزوج والزوجة هو ملك لهما مناصفة.
لذلك فمن يؤسس لمفهوم اقتسام الثروة هذا طبقًا للمفهوم الغربي في المجتمع المسلم لا مجال عنده حينئذٍ للمطالبة بوجوب مهر على الرجل، ولا وجوب نفقة عليه، فالنفقة ستكون من مجموع كسبهما، كما أنه لا مجال حينئذٍ أن يدفع الرجل نفقة حضانة للزوجة إن انفصلا أو طُلقت وذلك طبقًا لهذا المفهوم الغربي العفن، والذي لا يقول به مسلم.
7- الشريعة الإسلامية لا تمنع قطعًا من توعية الزوجة بحقوقها وما لها وما عليها على يد أوليائها أو على يد المأذون الذي يقوم بإجراءات العقد بينها وبين زوجها، بل تحث على ذلك من بيان أن لها ذمة مالية مستقلة، وأنها إن كانت موظفة مثلًا، أو لها مال خاص، أو يهبها ذووها مال وكانت ستنفق منه في البيت، فالأصل فيه أنه سيكون هذا تبرعًا منها، إلا إن اعتبرت ذلك قرضًا حسنًا يرده الزوج فيما بعد، فعليها أن تبيِّن هذا لزوجها.
وكذلك المرأة التي يحتاج زوجها إلى ذهبها أو يأتيها ميراثها فتضعه في البيت فعليها أن تبين أنها فعلت هذا على سبيل القرض ويرد بمثله، وأما مَن تعمل في مال زوجها -كرعاية زرعه وماشيته ونحو ذلك-، فعملها الأصل فيه التطوع، ويحق لها أن تطلب أجرة لذلك، وأما من تعمل في شيء يملكونه سويا أو في إحياء موات -استصلاح أرض مثلًا- أو غيره مما يحتمل الشركة فتطلب من زوجها المشاركة في الشركة بعقد شراكة تجاري.
وللحديث بقية -إن شاء الله-.