كتبه/ عبد العزيز خير الدين
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
فالزواج من أعظم الروابط البشرية التي تقوم على الرغبة والاختيار والرضا المشترك، وأحد أركان بناء المجتمعات، وعماد الأسرة القويم الذي يؤدي إلى الاستقرار، والشعور بالانتماء، والتعاون، وتدبير المصالح، وتبادل المنافع، وهو من أجلِّ النعم التي تدخل السرور على المجتمع؛ قال -تعالى-: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) (الروم: 21)، لكن مِن المؤسف جدًّا والمحزن، أن تتحول هذه النعمة وهذه الفرحة إلى تعاسة، وهموم، وديون على الطرفين، بسبب عادات لا هي دينية، ولا أخلاقية، ولا حتى إنسانية، بل هي تقاليد عمياء ورثناها كابرًا عن كابر، الغرض منها التفاخر، والتباهي، ومظاهر كاذبة، ظاهرها أمام الناس الفرحة، وباطنها الحقيقي الديون، والهموم، والغموم، ربما تؤدي إلى الاكتئاب وتنتهي أحيانًا بالسجون.
تبدأ من طلب المهور العالية أو الأجهزة الكهربائية، والمنزلية التي تشترى بأكثر من صنف، وفي كل صنف عدد من الأنواع، والتي أقول بلا مبالغة لو وضعوها في محل سيصلح أن يكون مشروعًا لبيع الأدوات المنزلية، وكأن المقصود من الزواج الحصول على صفقة تجارية!
وحدّث ولا حرج عن الإنفاق ما قبل العرس، وأثناء العرس، وبعده، من إسراف وتبذير، ليته يصل إلى الأرحام والفقراء، بل كله مجاملات بغرض الوجاهة والغيرة من الآخرين، رغم التحذير الشديد من رب العزة، قال -تعالى-: (وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا . إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا) (الإسراء:27).
والأعجب من ذلك: حينما يقام العرس في القصور، أو الحفلات الغالية المصحوبة بالموسيقى، والرقص، والغناء، والطرب، ولا أدري مع إقبالهما على أسرة وحياة جديدة، كيف لها أن تبنى على السكن والمودة والرحمة وقد افتتحوها بمعصية الله؟! والخطورة أن تكون المبالغ المصروفة كلها ديون يتحملها الجميع.
ومن هنا أقدم مبادرة يتبناها العقلاء والحكماء في كلِّ مكان، بأن يقدموا نماذج في المجتمع لزواج خالٍ من الإسراف والمنكرات، وأن يتعاون أهل الزوج والزوجة في أن ييسر كل واحد منهما على الآخر، ويعلن ذلك للجميع، فالزواج المبارك هو أيسره مؤنة، ومن سن في الإسلام سنه حسنه فله أجرها وأجر من عمل بها، وما ازدادت العنوسة، ووقع كثير من الشباب في المنكرات والانحراف؛ إلا لصعوبة هذه النفقات الباهظة!
فكم من أب يبيت ليلته دون عشاء، ويحرم نفسه وباقي أسرته من ضروريات الحياة من أجل أن يستر ابنته خائفًا حذرًا من لوم وعتاب الآخرين! قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (الرَّاحِمُونَ يَرْحَمُهُمُ الرَّحْمَنُ، ارْحَمُوا أَهْلَ الْأَرْضِ يَرْحَمْكُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ) (رواه أبو داود، وصححه الألباني).