كتبه/ عصام حسنين
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
- فينبغي أن تتوافر القدوة الصالحة من الوالدين لأولادهم؛ فلا يأمر الوالد مثلًا بالصدق وهو يكذب؛ الحذر ثم الحذر من ذلك، فإنه بذلك يهدم القدوة عند الطفل، ويدفعه إلى تقليد ما يراه مِن كَذَبٍ وسوء.
وقد تتخذ الأم الكذب وسيلة للتربية كأن تقول للطفل: تعالَ خذ هذا ولا تعطيه! وقد سمع النبي صلى الله عليه وسلم امرأة تقول ذلك لابنها، فقال: "لو لم تعطه حسبت عليك كذبة".
أو يتهرب الأب من ضيف أو مدين، ونحو ذلك، بالكذب ونحوه، وقد يستخدم الوالد التعريض المباح بقيوده أمام الطفل، وما هذا إلا كذب عند الطفل، وهذا أيضًا ينبغي أن يُحذر.
- وكذلك ينبغي إشباع الحاجات النفسية للطفل: كالحب والعطف، والتقدير والاحترام، والشعور بالثقة.
- والحذر من تكرير وصف الطفل بالكذّاب، فإنها تُفقده المعاني الجميلة من الصدق والشجاعة، ويهرب إلى وصف الكذب الذي وصفه به أبواه، ومن ثَمَّ يبحث عن أشكاله؛ فيزداد كذبه، فيتحول الاتهام مع الأيام إلى واقع! لذلك لا بد من إظهار أعلى درجات التحمُّل والصبر، وسعة الصدر، والتفرغ وعدم التأجيل لعلاج بادرة الكذب عند الطفل.
- تجنيبه المخالطة للنماذج السيئة الكاذبة؛ فإن الطفل في السنوات الأولى من عمره يُحاكي ما يسمعه ويراه.
- الحذر من أسلوب السيطرة والعسكرة، وإشاعة جو الخوف والرعب في البيت، والتدخل الزائد في خصوصيات الطفل.
- أو الإهمال وعدم الاهتمام.
- الحذر ثم الحذر من التشهير به، أو السخرية منه.
- تجنب أسلوب التحقيق مع طفلك حتى لا تضطره إلى الكذب، حاول جمع المعلومات عنه بطرق غير مباشرة، ثم مساعدته على تجاوز عثراته ومشكلاته.
العلاج:
ينبغي أن يعلم الأبوان أن الطفل سوف يخطئ ولا بد، فالكبير يخطئ فما بالك بالصغير؟! والأسلوب القاسي من الأسرة يولّد خوفًا عنده، ومن ثَمَّ يلجأ للكذب؛ لذلك إذا وقع منه كذب، فيجب علي الوالد المربي:
- ألا يتهاون في المعالجة، وأن يتفرغ لعلاج المشكلة، ولا يتهرب منها بقول: الزمن كفيل أن يُعالجها!
- أن يقبِّح لديه الكذب، وأنه أقبح شيء عنده، وأنه صفة المنافقين، وأن الله تعالى يحب الصادقين، ولا يحب الكاذبين، فإن كنت تحب أن أحبك، وأعاملك معاملة حسنة؛ فعليك بما يحبه الله تعالى، وإلا فلن أحبك، ولن أكلمك، ولن... (تهدده بحرمانه مما يحبه).
- تذكر له النصوص الشرعية في قبح الكذب، وفضيلة الصدق:
- حفّظه حديث: "عليكم بالصدق فإن الصدق يهدي إلى البر، وإن البر يهدي إلى الجنة"، مع الشرح، والترغيب والترهيب.
- وعلمه قول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث المنام الطويل: "رَأَيْتُ اللَّيْلَةَ رَجُلَيْنِ أَتَيَانِي قَالَا: الَّذِي رَأَيْتَهُ يُشَقُّ شِدْقُهُ فَكَذَّابٌ يَكْذِبُ بِالْكَذْبَةِ تُحْمَلُ عَنْهُ حَتَّى تَبْلُغَ الْآفَاقَ فَيُصْنَعُ بِهِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ"، وكلّمه عن أخلاق العرب قبل الإسلام، وأن أجمل ما كانوا يتزينون به الصدق، وأقبح ما كانوا يتصفون به الكذب، أو أن يُؤثر عنهم كذبًا، فلما وقف أبو سفيان -وكان يومئذٍ مشركًا- أمام هرقل ملك الروم في فترة هدنة الحديبية، قال هرقل لِتَرْجُمَانِهِ: "قُلْ لَهُمْ أِنِّي سَائِلٌ هَذَا عَنْ هَذَا الرَّجُلِ، فَإِنْ كَذَبَنِي فَكَذِّبُوهُ. فَوَاللَّهِ لَوْلاَ الْحَيَاءُ مِنْ أَنْ يَأْثِرُوا عَلَىَّ كَذِبًا لَكَذَبْتُ عَنْهُ" (رواه البخاري).
- ثم جاء الإسلام بنوره وهدايته؛ فدعا إلى حسن الأخلاق ومكارمها.
معالجة الأسباب والدوافع:
- إن ظهرت منه كذبة؛ فصحح له: لعلك تقصد كذا، أي: إعانته على الصدق برفق.
- لا تكلّف طفلك ما لا طاقة له به، وإنما وضِّح له الهدف، والوسائل الموصلة إليه بخطة زمنية بعيدة، مع إعطاء نفْس الطفل ما تحبه مِن لهو مباح ولعب.
- علّمه حب أخيه والآخرين؛ فلا تقارنه بغيره بقولك: فلان أفضل منك، أو: فلان أصدق منك لسانًا، ونحو ذلك.
- الثواب والعقاب؛ فإن صدق أثبته، وإن كذب حذرته مرة بعد مرة، ثم إن كان عقاب فليكن بعد استنفاد وسائل العلاج السلمية، ويكون بحرمانه أولًا مما يحب، وإن كان من ضرب فليكن غير مبرح كما بيّنا.
- لا تُظهر ضحكًا لكذب الطفل؛ خاصة إذا كان صغيرًا، فإنه يستمرئ ذلك، ويُحب أن يُضحك الكبار، وأن ينال إعجابهم، فيستمر في اختلاق الأكاذيب من أجل نيل الإعجاب.
- اتبع أسلوب التفاهم، والمحبة في النقاش، لا السلطة المعاقبة.
- قم برحلة وعدِّد أنواع الأنشطة، ثم اطلب من الطفل وصف ما يراه، حتى يتعوّد الوصف الصادق.
- إثراء خيال الطفل الإبداعي الواقعي بعيدًا عن الكذب.
- استخدم أسلوب الهجر كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يفعل؛ فعن عائشة رضي الله عنها قالت: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا اطَّلع على أحد من أهل بيته كذب كذبة، لم يزل مُعرضًا عنه حتى يحدث توبة".
- إن لم يُجدِ الهجر؛ استعمل الضرب بضوابطه التي ذكرناها قبلُ؛ فإن آخر العلاج الكي.
- قبول عذره إن اعتذر -ولا بد أن يعتذر-، وهنا يأتي دور الأبوين المتعاونين على صلاح الطفل، فتقوم الأم بتأنيب الطفل على كذبه، وأنه يلزمه أن يعتذر لأبيه، مع وعد بعدم الرجوع للكذب مرة أخرى.
وفي المدرسة:
ينبغي على المدرسين المربين أن ينزلوا الطلاب من أنفسهم منزلة الأبناء؛ فعليهم أن يتجنبوا:
- أسلوب الضرب المبرِّح.
- إرهاق الطفل بالواجبات المدرسية غير المستطاعة.
- وعليهم أن يكونوا قدوة حسنة لطلابهم، فإن الحسن عند الطفل ما حسَّنوه، وإن السيئ عنده ما ذموه.
- التعاون المثمر بين المدرسة والبيت لمصلحة الطفل.
ثم فوق كل هذا الدعاء بصلاح الأولاد.
والله المستعان.