السؤال:
هناك شخص يدافع عن القبوريين بصورة فجة وواضحة للغاية، ومِن آخر ما قاله: إن المرأة التي تقول: "اشفني يا سيد يا بدوي! لا تكون كافرة؛ إلا إذا كانت تعتقد أن البدوي يملك ذلك استقلالًا!"، لكن مَن يستغيث بالأولياء ويدعوهم لا يعتقد ذلك، وإنما يعتقد أن الله هو الذي أقدرهم على ذلك.
ونحن قد درسنا مع الشيخ ياسر أن هذا القولَ كفر صريح؛ لأنه دعاء للميت مِن دون الله، فما حكم مَن يقول هذا الكلام الخطير ويروِّج له، ويزعم أن مثل هذه المرأة لا يصح تكفيرها؛ لأنها مؤمنة بدعائها للبدوي أن يشفيها؟ وهل هذا كفر أم يحتمل التأويل؟ وجزاكم الله خيرًا.
الجواب:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
فهذا الكلام ضلال مبين؛ لأن فعلها صرف للعبادة لغير الله؛ لأن الطلبَ على الغيب هو دعاءٌ لغير الله، وليس مجرد طلب، واعتقاد الإجابة على الغيب اعتقاد للربوبية لغير الله؛ قال الله تعالى: (وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لَا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ . وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاءً وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ) (الأحقاف: 5-6)، وقال تعالى: (وَلَا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُكَ وَلَا يَضُرُّكَ فَإِنْ فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذًا مِنَ الظَّالِمِينَ) (يونس: 106).
وقال تعالى: (ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ . إِنْ تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ) (فاطر: 13-14).
وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (إِذَا سَأَلْتَ فَاسْأَلِ اللَّهَ، وَإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ) (رواه أحمد والترمذي، وصححه الألباني)، وقال: (أَذْهِبِ الْبَاسَ رَبَّ النَّاسِ، وَاشْفِ أَنْتَ الشَّافِي، لَا شِفَاءَ إِلَّا شِفَاؤُكَ) (متفق عليه).
فَزَعْمُ هذا الضال أنه لا يكون شركًا حتى يعتقدَ أن الوليَّ بزعمهم يفعل ذلك استقلالًا هو مخالف لنص القرآن؛ قال الله تعالى: (وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِمَا لَا يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ) (يونس: 18).
فالمشركون لم يكونوا يعتقدون أن أوثانهم "ولا الملائكة التي ترمز لها الأصنام" يفعلون ذلك استقلالًا، بل بالشفاعة عند الله مع استقلال الله بالفعل، قال تعالى: (أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ فَقُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ) (يونس: 31).
فهم يقرون أن الله هو الذي يدبِّر الأمرَ مستقلًّا، ولكن الأوثان شفعاء، وقالوا في تلبيتهم: "لبيك اللهم لبيك... إلا شريكًا هو لك، مَلَكْتَه وما مَلَك" كما في الحديث عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "كَانَ الْمُشْرِكُونَ يَقُولُونَ: لَبَّيْكَ لَا شَرِيكَ لَكَ، قَالَ: فَيَقُولُ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (وَيْلَكُمْ، قَدْ قَدْ -أي: كفاكم هذا الكلام فاقتصروا عليه ولا تزيدوا-) فَيَقُولُونَ: إِلَّا شَرِيكًا هُوَ لَكَ، تَمْلِكُهُ وَمَا مَلَكَ، يَقُولُونَ هَذَا وَهُمْ يَطُوفُونَ بِالْبَيْت!" (رواه مسلم).
فكيف يزعم هذا الضال عدم شرك المشركين الذين يعبدون غير الله إذا لم يعتقدوا أن الأوثان تفعل ذلك استقلالًا؟!
وعلى أي حالٍ؛ فالرد على ذلك بالتفصيل منتشر في كتب التوحيد لأهل السُّنَّة، والكلام وإن كان كفرًا؛ إلا أن تكفيرَ المعيَّن القائل به، لا يكون إلا بعد استيفاء الشروط وانتفاء الموانع، وإقامة الحجة.