كتبه/ عصام حسنين
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كنتُ خلفَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وعلى آلِهِ وسلَّمَ، فقالَ: "يا غلامُ إنِّي أعلِّمُكَ كلماتٍ: احفظِ اللَّهَ يحفظكَ، احفظِ اللَّهَ تجدْهُ تجاهَكَ، إذا سألتَ فاسألِ اللَّهَ وإذا استعنتَ فاستعن باللَّهِ، واعلم أنَّ الأمَّةَ لو اجتمعت على أن ينفعوكَ بشيءٍ لم ينفعوكَ إلَّا بشيءٍ قد كتبَهُ اللَّهُ لكَ، وإن اجتمعوا على أن يضرُّوكَ بشيءٍ لم يضرُّوكَ إلَّا بشيءٍ قد كتبَهُ اللَّهُ عليكَ، رُفِعتِ الأقلامُ وجفَّت الصُّحفُ" (رواه الترمذي وصححه الألباني).
في هذا الحديث: تعليم الصغير من خلال تنزه أو مسايرة، ونحوه، وهذا أوقع؛ لأن الطفلَ يحب أن يستبد بأبيه، ولبُعده عن جوِّ البيت الذي فيه إلزام وقواعد. وفيه: اغتنام الفرص لتوجيه الطفل وتربيته؛ فانظر لتعليم النبي صلى الله عليه وسلم لابن عباس التوحيد، وإخلاص العبادة لله، وحفظ الله في أوامره ونواهيه، والثقة بالنفس، والتوكل على الله، والصبر وعدم الجزع أمام المحن والشدائد، والإيمان بالقضاء والقدر.
- القدوة الحسنة من الوالدين في التزام الصدق، وتجنب الكذب عليه؛ لئلا ينشأ كذَّابًا؛ عن عبد الله بن عامر قال: دعتْني أُمي يومًا ورسولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم قاعدٌ في بيتِنا، فقالتْ: ها تعالَ أُعطيكَ، فقال لها رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ: "وما أردتِ أنْ تعطيهِ؟"، قالتْ: أُعطيهِ تمرًا، فقال لها رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ: "أما إنك لو لمْ تُعطيهِ شيئًا كُتبتْ عليكِ كَذِبةٌ"(رواه أبو داود، وحسنه الألباني). ها: إما للتنبيه، أو اسم فعل بمعنى: خذ.
- تكليف الطفل ببعض الأعمال البيتية: كتنظيف حجرته وتنظيمها، ومتابعته في ذلك، وإن كان مميِّزًا يكلَّف بشراء بعض الأشياء، ونحو ذلك، وأهمية متابعته في ذلك، فعن أنس قال: "انتهى إلينا رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ، وأنا غلامٌ في الغِلمانِ، فسلَّم علينا، ثم أخذ بيدي فأرسلني برسالةٍ، وقعد في ظلِّ جدارٍ، أو قال: إلى جدارٍ، حتى رجعتُ إليه" (رواه أبو داود، وصححه الألباني).
وعن ثابت عن أنس رضي الله عنه قال: "أتى علي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا ألعب مع الغلمان، قال: فسلم علينا، فبعثني إلى حاجة، فأبطأتُ على أمي، فلما جئت قالت: ما حبسك؟ قلتُ: بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم لحاجة. قالت: ما حاجته؟ قلت: إنها سرٌّ. قالت: لا تحدثنَّ بسرِّ رسول الله صلى الله عليه وسلم أحدًا. قال أنس: والله لو حدثت به أحدًا لحدثتك يا ثابت" (رواه مسلم).
فهذا تكليف وتعليم، وحفظ من الغلام للسر، وحث من الأم على حفظه، وأما المتابعة: فعن أنس قال: كانَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ مِن أَحْسَنِ النَّاسِ خُلُقًا، فأرْسَلَنِي يَوْمًا لِحَاجَةٍ، فَقُلتُ: وَاللَّهِ لا أَذْهَبُ، وفي نَفْسِي أَنْ أَذْهَبَ لِما أَمَرَنِي به نَبِيُّ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ، فَخَرَجْتُ حتَّى أَمُرَّ علَى صِبْيَانٍ وَهُمْ يَلْعَبُونَ في السُّوقِ، فَإِذَا رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ قدْ قَبَضَ بقَفَايَ مِن وَرَائِي، قالَ: فَنَظَرْتُ إلَيْهِ وَهو يَضْحَكُ، فَقالَ: "يا أُنَيْسُ أَذَهَبْتَ حَيْثُ أَمَرْتُكَ؟"، قالَ قُلتُ: نَعَمْ، أَنَا أَذْهَبُ، يا رَسولَ اللَّهِ. (رواه مسلم).
فانظر رعاك الله إلى الموقف، عَتَب بضحك وملاطفة، والأفضل في هذا السن ترك المعاتبة بالزجر، بل متابعة بلطفٍ مع تعليمٍ حتى ينفِّذ الطفل المطلوب.
- الدعاء له، والحذر من الدعاء عليه: كما مَرَّ بنا دعاء النبي صلى الله عليه وسلم للحسن والحسين، ولأولاد الأنصار.
- أخذه للمسجد واجتماعات الطاعات: فقد كان منكدر بن محمد يقول: "كان أبي يحج بولده. فقيل له: لِمَ تحج بهؤلاء؟ قال: أعرضهم لله! وكان بيته بيت علم وعبادة" (تاريخ الإسلام).
- المساواة بين الأبناء، والحذر من تفضيل أحدهما: ومثله التصريح بحب واحد منهم دون البقية؛ فإن هذا يوغر الصدور، ويربيها على الحقد.
- الحضور بهم مجالس العلماء والكبار متأدبًا بأدب المجلس: فقد كان الصغار يحضرون مجالس النبي صلى الله عليه وسلم، وقد مَرَّ بنا حديث الغلام الذي استأذنه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكذا حديث ابن عمر في الشجرة التي هي مثل المؤمن، وحديث سمرة بن جندب قال: "لقد كنت على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم غلامًا، فكنت أحفظ عنه، فما يمنعني من القول إلا أن هاهنا رجالًا هم أسن مني" (متفق عليه).
وبعد، فهذه بعض الوسائل من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم في تربية الثقة بالنفس والاعتداد بها التي يسميها المعاصرون: "العناد المحمود"؛ التي إن التزم بها الوالدان الكريمان أثمرا -إن شاء الله- خيرًا عظيمًا.
والله المستعان، وعليه التكلان.
وللحديث بقية إن شاء الله.