كتبه/ حسن حسونة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
كذلك من أسباب النجاة في تربية الأبناء: أن يُربَّى الصغير على احترام وتوقير الكبير؛ سواء كان قريبًا أو بعيدًا ليكون بارًّا بهم، لا كما يصنع بعض الآباء والأمهات مع أبنائهم: ابصق على أبيك أو عمك! ويفرحون بذلك إن فعل؛ فهذه عادة سيئة لا بد أن ينتبه لها.
ويُربى على النبوغ والتفوق في حياته كلها؛ في الدِّين والدنيا ليجتمع له سعادة الدارين، فما أحلى أن يخرج لنا عالمًا أو داعيًا طبيبًا أو مهندسًا، أو معلمًا.
فوجد مِن أبناء السلف مَن جمع القرآن في السابعة وحفظ الألف حديث، وهو ابن عشر، قال ابن عباس: "جمعت القرآن وأنا ابن سبع سنين".
فإذا رأي الوالدان النبوغ والذكاء من الولد نَمَّيا ذلك فيه، وشجعاه ولا يثبطانه ويحبطانه، ومن أمثلة ذلك: روي البخاري عن ابن عمر قال: بينما نحن جلوس مع النبي صلى الله عليه وسلم إذ قال: إن من الشجر شجرة لا يسقط ورقها، وهي مثل المؤمن؟ فوقع الناس في شجر البوادي، ووقع في نفس عبد الله أنها النخلة فاستحيا أن يقولها، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "هي النخلة"، فحدَّث عبد الله والده بعد ذلك، فقال: "لئن قلتها كان أحب إليَّ من كذا وكذا"؛ أراد أن يشجعه على نبوغه وفطنته.
ويذكر علماء التربية وأرباب السلوك: أن هناك بعض الأساليب التي تنفع في التربية، وهي لا تخرج عن القرآن والسنة، فمنها:
أولًا: أسلوب المحاكاة والتقليد، وذلك أن يشرع الوالد والوالدة في أمرٍ، والهدف محاكاة الأولاد لهذا الفعل دون طلب، قال الله: "وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا"، وثبت عن ابن عباس في بياته عند النبي صلى الله عليه وسلم في ليلة خالته ميمونة أن النبي صلى الله عليه وسلم قام في الليل فتوضأ من شَنٍّ معلقة -أي: قربة-، فقام ابن عباس ففعل ووقف عن يسار النبي صلى الله عليه وسلم، فأخذ النبي صلى الله عليه وسلم بأذنه فأخذ يفتلها إلى أن أقامه عن يمينه، فقلَّد وحكى ابن عباس فعل النبي صلى الله عليه وسلم.
ثانيًا: التوجيه المباشر بلا تعنيف ولا تأنيب، بل بالرفق واللين: وهذا ما جاء خبره عن لقمان الحكيم، وهو يعظ ابنه.
ثالثًا: أسلوب الثواب والعقاب: إن فعلتَ كذا في الحفظ مثلًا؛ أعطيتك كذا، أو إن خالفت في كذا منعتك كذا، وشرط هذا الأسلوب أن توفي معه ما تعده به؛ وإلا حُسبت عليك كذبة، كما حذَّر النبي صلى الله عليه وسلم المرأة التي قالت لولدها: تعالَ أعطك، فسألها: ماذا تريدين أن تعطيه؟ قالت: كذا، قال: أما إنك لو لم تعطه حسبت عليك كذبة.
رابعًا: أسلوب التنافس بينه وبين غيره من الأولاد: وهذا نافع في دار التحفيظ وغيرها؛ بحيث ينشِئ ذلك جوًّا من التسابق والتنافس بين الأولاد، "وَفِي ذَ?لِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ".
ولا يشك عاقل ذو رأي سديد في أهمية هذا الموضوع وخطورته، وبخاصة في هذه الحقبة الزمانية التي تعيشها الأمة في جوٍّ ملبد بفتن الشهوات والشبهات، فعلى كلِّ واحدٍ منا: أن يبذلَ ما في وسعه لإنقاذ هذه الأجيال من كيد أعدائها، وأن ننشئ أجيالًا تحيا بها أمتنا، ولا شك أن الجزاء من جنس العمل، وأنك إن سعيت لإنقاذ أبناء الناس ستجد مَن يسعى لإنقاذ أبنائك: "هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ".
فنسأل الله أن يحفظ أبنائنا وبناتنا من كلِّ سوء، وأن يحفظ بلادنا وبلاد المسلمين.