كتبه/ عصام حسنين
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
1- العناد المحمود:
تكلمنا فيما سبق عن مشكلة من مشاكل التربية عمومًا، وهي: ضعف الإعداد التربوي من الأبوين، وبيَّنا بفضل الله تعالى كيفية علاجها.
وقد ينجح الأبوان الفاضلان في الأخذ بأسباب التربية القويمة، ومع ذلك قد تظهر لهم مشاكل بعضها جبلي وبعضها مكتسب، ومن هذه المشكلات: عناد الطفل.
والعناد مشكلة وإشكالية: فهو مشكلة تحتاج إلى علاج، وإشكالية؛ لأنها تلتبس مع غيرها من الصفات المحمودة التي يجب أن يُربي عليها الطفل: من صلابةٍ في الحق، وصمودٍ وإصرارٍ حتى يصل إلى أهدافه الحميدة، ومِن ثَمَّ؛ فلا بد من تحريرٍ منضبط للفظ العناد كمشكلة تحتاج إلى علاج، يفصلها عن الصلابة في الحق، والإصرار المحمود.
أولًا: تعريف العناد لغة:
تدور مادة العناد لغة على المعارضة والمخالفة، وقد تستخدم لغير الخلاف، والعامة يستخدمونه بمعنى: يفعل خلاف ما يؤمر بفعله.
قال الأزهري: "وقد تشتد هذه المخالفة حتى تصل إلى التمرد" (لسان العرب). أي: "العصيان وعدم الطاعة" (القاموس المحيط).
وأما قوة "الشَّكِيمَةُ" فهي: قوة القلب (معجم المعاني).
وفلان: "رابط الجأْش" هو: الثَابت عند الشدائد (المعجم الوسيط).
وهو: "صَلْبُ الرَّأْيِ": شَدِيدُ الرَّأْيِ (معجم المعاني).
و"أَصرَّ على الأمر": ثبت عليه ولزمه، وأكثر ما يستعمل في الآثام والذّنوب (معجم المعاني).
نخلص من تعريف العناد لغة إلى أن معناه: "المخالفة في الفعل"، وأن منه المحمود، وهو ما يتعلق بتكوين الشخصية، وغرس الصفات الطيبة: كالإصرار والصلابة في الحق، وقوة الشكيمة، وهذا ينبغي أن يُربَّى عليه الطفل، ويُحبَّب إليه، ويُحمد عليه إذا فعله، أما إذا لم يُربَّ عليه؛ فستكون شخصيته -غالبًا- خاضعة مستسلمة، وقد يصبح في المستقبل انطوائيًّا أو جبانًا.
وقد أثبتت بعض الدراسات أن عناد الطفل -أي: الصحي- سلوك إيجابي؛ لأنه يولّد عنده إصرارًا قويًّا يمكّنه من تحدى المشكلات، والعمل على حلِّها؛ ولهذا واجب على الوالدين الكريمين أن يعرفا الفرق بين العناد المذموم والعناد المحمود، فيُعزّزا المحمود بحكمة، ويُعالجا المذموم بحكمة أيضًا.
أولًا: كيف نربي في الطفل العناد المحمود (الثقة بالنفس والصلابة في الحق) من سيرة النبي صلى الله عليه وسلم في تربية الأطفال؟
- استحسان اسمه الذي سيُنَادَى به بين الناس؛ حتى لا يشعر بخزي أو حرج منه، وقد كان -صلى الله عليه وسلم- يغير الاسم القبيح؛ فعنْ سَهْلٍ قَالَ أُتِيَ بِالْمُنْذِرِ بْنِ أَبِي أُسَيْدٍ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ وُلِدَ فَوَضَعَهُ عَلَى فَخِذِهِ وَأَبُو أُسَيْدٍ جَالِسٌ فَلَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِشَيْءٍ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَأَمَرَ أَبُو أُسَيْدٍ بِابْنِهِ فَاحْتُمِلَ مِنْ فَخِذِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَاسْتَفَاقَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَال: "أَيْنَ الصَّبِيُّ"، فَقَالَ أَبُو أُسَيْدٍ: قَلَبْنَاهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: "مَا اسْمُهُ"، قَالَ: فُلَانٌ، قَالَ: "وَلَكِنْ أَسْمِهِ الْمُنْذِرَ"، فَسَمَّاهُ يَوْمَئِذٍ الْمُنْذِرَ (رواه البخاري).
- نداؤه باسمه، ومداعبته بذلك، واحترام كيانه، بعيدًا عن كلمة: (ولد - بنت)؛ فينشأ بذلك معتدًا بنفسه، محترمًا لذاته، لا يقترب من السفهاء ممَّن لا يحترمونه، فعَنْ أَنَسٍ قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحْسَنَ النَّاسِ خُلُقاً، وَكَانَ لِي أَخٌ يُقَالُ لَهُ: أَبُو عُمَيْرٍ، قَالَ: أَحْسِبُهُ فَطِيمًا، وَكَانَ إِذَا جَاءَ قَالَ: يَا أَبَا عُمَيْرٍ، مَا فَعَلَ النُّغَيْرُ؟ نُغَرٌ كَانَ يَلْعَبُ بِهِ، فَرُبَّمَا حَضَرَ الصَّلَاةَ وَهُوَ فِي بَيْتِنَا فَيَأْمُرُ بِالْبِسَاطِ الَّذِي تَحْتَهُ فَيُكْنَسُ وَيُنْضَحُ، ثُمَّ يَقُومُ وَنَقُومُ خَلْفَهُ فَيُصَلِّي بِنَا" (رواه البخاري). النغر: طائر يشبه العصفور.
ففي الحديث مداعبة النبي للصغير لإدخال السرور على نفسه، ومناداته باسمه، وهذا يعطي للطفل الثقة بنفسه، والاعتداد بها.
وكذا حديث أنس رضي الله عنه قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يلاعب زينب بنت أم سلمة، ويقول: يا زوينب، يا زوينب" مرارًا" (أخرجه الضياء المقدسي في المختارة، وصححه الألباني).
وللحديث بقية إن شاء الله.