كتبه/ شحاتة صقر
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
كانت المرأة قبل الإسلام في حال مزرية يندى لها جبين الإنسانية، فجاء الإسلام وانتشلها من هذه الحمأة، وأعلى مكانتها على نحو لم يُسْبَق إليه، ففي الجاهلية لم يكن للمرأة قيمة تُذْكَر، يوضح ذلك قول عُمَرَ بن الخطَّاب رضي الله عنه: "وَاللَّهِ إِنْ كُنَّا فِي الجَاهِلِيَّةِ مَا نَعُدُّ لِلنِّسَاءِ أَمْرًا، حَتَّى أَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِنَّ مَا أَنْزَلَ، وَقَسَمَ لَهُنَّ مَا قَسَمَ" (رواه البخاري).
فكان العرب ينظرون للمرأة على أنها نكرة، ولا يمكن لها أن ترث من الممتلكات، وكانت ولادة الأنثى عارًا على أسرتها، وكان وأد البنات أمرًا شائعًا.
وعند الهنود قالوا عنها: ليس الموت، والجحيم، والسم، والأفاعي، والنار، أسوأ من المرأة! بل وليس للمرأة الحق عند الهنود أن تعيش بعد ممات زوجها، بل يجب أن تحرق معه!
وعند الصينيين قالوا عنها: مياه مؤلمة تغسل السعادة، وللصيني الحق أن يدفن زوجته حية، وإذا مات حُق لأهله أن يرثوه فيها.
أما عند الفرس: فالمرأة الفارسية تحت سلطة الرجل المطلقة، ويحق له أن يحكم عليها بالموت دون رقيب أو مؤاخذة، يتصرف بها تصرفه بسلعته ومتاع بيته!
والحديث عن هذا الجانب يفسِّر قيام هذه الحركات النسوية في العالم الغربي، ويوضِّح أن المرأة في الإسلام لا تحتاج مثل هذه الدعاوى، فعلى عكس ما في الإسلام من تكريم للمرأة؛ ظهر الفكر النسوي صدًى لما توارثته الذاكرة الجمعية والفردية في أوروبا من أفكار سلبية عن المرأة من خلال صورتها في التراث غير الإسلامي - أن المرأة أصل الخطيئة-، وصورة المرأة في أعمال ومواقف العديد من المفكرين والفلاسفة الغربيين تجاه المرأة.
فأرسطو يقرر: أن المرأة لا تصلح إلا للإنجاب، وأنها لا يمكن أن تمارس الفضائل الأخلاقية مثل الرجل، فهي مجرد مخلوق مُشَوَّه أنتجته الطبيعة!
أما أفلاطون: فكان يأسف لأنه ابن امرأة، ويزدري أُمّه لأنها أنثى!
أما سقراط: فكان يرى أن المرأة مثل الشجرة المسمومة التي يكون ظاهرها جميلًا، لكن الطيور تموت عندما تأكل منها!
وبعد العصر اليوناني لم يختلف الأمر كثيرًا، بل استمرت النظرة الدُّونية في كتابات الفلاسفة الغربيين، فيرى جون جاك روسو أن المرأة لَمْ تخلق لا للعلم ولا للحكمة، وإنما لإشباع غرائز الرجل وإقناعه بحسنها وجماله، وانعكست فلسفته هذه على عربدته وعلاقاته بكثير من النساء اللاتي استغل ثروتهن، بل وتخلَّى بقسوة عن أبنائه الخمسة (غير الشرعيين)، وألقى بهم لدار الأيتام ليموتوا سريعًا كما كان يحدث في دور الأيتام.
ويرى نيتشه: أن المرأة لا تزال في أفضل الأحوال حيوانًا: كالقطط، والكلاب، والأبقار وأنها تتآمر مع كل أشكال الانحلال ضد الرجال!
أما فيلسوف الشؤم شوبنهاور: فقد جاءت فلسفته مترجمة لحياة البؤس التي عاشها، فقد بقي معاديًا للمرأة بسبب موقفه من فجور والدته، واشتهر بكونه أكثر الفلاسفة بُغْضًا للمرأة؛ فهو يراها عيبًا من عيوب المجتمعات، وأنها لم يسبق أن أنتجت أي عمل ذي قيمة!
ومع ظهور نظريات جديدة مثل الداروينية ازدادت النظرة الدونية للمرأة باعتبارها جنسًا في مرتبة أدنى، فالمرأة عند داروين عبارة عن شيء نحبه للَّعب أفضل من كلب!
وينقل لنا الفرنسي جوستاف لوبون موقف المجتمع العلمي في عصره بعبارات موغلة في الانحطاط: "في أكثر العرقيات الذكية -كما في الباريسيين- هناك عدد كبير من النساء اللواتي حجم أدمغتهن أقرب إلى الغوريلات من الرجال الأكثر تطورًا، وهذه دونية واضحة جدًّا، كل علماء النفس الذين درسوا ذكاء النساء يدركون اليوم أنهن يمثلن الأشكال الأكثر تدنيًا من تطور الإنسان، وأنهن أقرب للأطفال والسذج منهن للرجال البالغين المتحضرين، لا شك هناك نساء متميزات أرقى بكثيرٍ من الرجل المتوسط، لكنهن استثناء، كولادة أي مخلوق مشوه على سبيل المثال: غوريلا برأسين، وبالتالي فيمكننا أن نهمل وجود هؤلاء النساء تمامًا".
أما جون لوك فقد اتجهت فلسفته الاقتصادية إلى إقصاء المرأة عن الحياة الاقتصادية، ولم ترفع قيمة المرأة عن مستوى الممتلكات.
ودون الحاجة إلى سرد تفاصيل الحط من كرامة المرأة؛ فإن الأمر لم يختلف كثيرًا عند هيجل، وهيوم، وفرويد، وديكارت، وهوبز، وغيرهم من كبار عقول الفلسفة الغربية، وهكذا كانت الصورة السوداء للمرأة على طول تاريخ الفلاسفة.
وقد قرر سير ويليام بلاك ستون القاضي الإنكليزي البارز (والذي عاش من 1723 - 1780م) عدم أحقية الزوجة في الاستحواذ على أي ممتلكات؛ إضافة إلى كونها الملكية التابعة لزوجها.
وتحت عنوان: "بيع الزوجة في بريطانيا" تجد في "ويكيبيديا - الموسوعة الحرة" رسمًا تهكُّميًّا لعملية بيع وشراء زوجة إنجليزية، حيث تتم في سوق الماشية، ويظهر الزوجة بالفعل راضية، والزوج يبدو كأنه "يرتدي قرون".
فقد كانت عادة بيع الزوجة هي وسيلة بديلة للطلاق، حيث كان الطلاق ذاته في ذلك الحين شيئًا يستحيل تطبيقه عمليًّا بالنسبة للجميع عدا الأسر الأغنى ببريطانيا، وخاصةً إنجلترا؛ بدأت تلك العادة بالظهور في أواخر القرن السابع عشر، وكانت تتم عبر موافقة كلا الطرفين لوضع حد للزواج المضطرب؛ يقوم الزوج بربط زوجته بحبل إما حول الرقبة أو الذراع أو الخصر واستعراضها جهارًا في مزاد علني ليبيعها إلى الـمُزايِد الذي يقدِّم أكبر قدر من المال.
وقد صرَّح أحد قضاة القرن التاسع عشر (انتبه: القرن التاسع عشر!) في تدوين له بعدم امتلاكه الصلاحيات لمنع بيع الزوجات. وقد استمرت العادة الرائجة في أحد أشكالها بإنجلترا حتى أوائل القرن العشرين (انتبه: حتى أوائل القرن العشرين!)، وقد أدلى المؤرخ والقاضي جيمس برايس في كتاباته لعام 1901 أن تلك العادة قد كانت متداولة في عهده.
وفي إحدى القضايا التي تم الإعلان عنها مؤخرًا بإنجلترا قدَّمت إحدى الأزواج دليلًا لمحكمة جنح بمدينة ليدز بأنه قد تم بيعها لأحد رفقاء عمل زوجها الأسبق مقابل يورو فقط!
وهذه النظرة المزرية للمرأة كانت سببًا في ظهور الحركات النسوية في الغرب، وهذا ما لا تحتاجه المسلمة التي أكرمها الله بهذا الدِّين، وحفظها بهذه الرسالة وشرَّفها بهذه الشريعة الغراء.