كتبه/ حسن حسونة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
ففي مقابلة نعمة الأبناء مسؤولية وأمانة يُسأَل عنها الأب والأم: ماذا صنعتما؟ ماذا قدمتما لهذه الأمانة؟ هل حافظتما عليها أم ضيعتماها؟ وتأمل النص القرآني: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ) (التحريم:6)، تدبر: هل مطالب من المسلم أن يقي نفسه فقط؟ لا، ولكن أهليكم أيضًا.
هل يأخذ المسلم بأسباب النجاة ويدع أولاده في مهب الريح تتلقفهم الشياطين؟! بل الواجب أن يأخذ بأسباب النجاة لأهله.
وخير مثال على ذلك: لما نزلت الآية: (وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ) (الشعراء:214)، فصعد النبي -صلى الله عليه وسلم- جبل الصفا، وعم وخص، واجتمع القبائل، فذكرهم بالله وأنذرهم.
وكان النبي -صلى الله عليه وسلم- إذا دخل العشر الأواخر من رمضان أيقظ أهله، وأحيا ليله، وشد مئزره؛ فكان إيقاظ الأهل للصلاة والعبادة من هذا الباب؛ (قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا).
وفي الصحيحين من حديث ابن عمر مرفوعًا: (أَلَا كُلُّكُمْ رَاعٍ، وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، فَالْأَمِيرُ الَّذِي عَلَى النَّاسِ رَاعٍ، وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ عَلَى أَهْلِ بَيْتِهِ، وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْهُمْ، وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ عَلَى بَيْتِ بَعْلِهَا وَوَلَدِهِ، وَهِيَ مَسْئُولَةٌ عَنْهُمْ، وَالْعَبْدُ رَاعٍ عَلَى مَالِ سَيِّدِهِ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْهُ، أَلَا فَكُلُّكُمْ رَاعٍ، وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ) (متفق عليه).
وفي ختام الحديث: أكَّد النبي -صلى الله عليه وسلم- هذا المعني: (أَلَا فَكُلُّكُمْ رَاعٍ، وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ)، هل تدبرت هذا المعنى؟ أنت أسندت إليك مهمة لتقوم بها، وهي: رعاية فلذات الأكباد، وسوف تسأل عن ذلك في يوم لا ينفع فيه مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم؛ ألا فليعد كل واحد منا جوابًا عن ذلك، ولكن للأسف واقع المسلمين يشهد غفلة عجيبة من الآباء والأمهات عن هذه المسؤولية وتلكم الأمانة.
الوالد بلغة العصر مطحون في لقمة العيش، ويخرج من عمل إلى آخر ليسد حاجة أبنائه، وإذا عاد إلى البيت ليس أمامه سوى الطعام والنوم، ونوع آخر عنده لا مبالاة، عنده وقت، ولكن يضيعه على المقهى ومشاهدة المباريات والمسلسلات، فإن رجع البيت كان بين صفحات الفيس والواتس والتويتر والسوشيال، وإذا قيل له: تعالَ اجلس بين أولادك، راعهم بنصيحة؛ يتعلل بأسباب تافهة!
وآخر آثر السفر للخارج وترك أولاده عرضة للذئاب الضالة، المهم عنده أليس لديكم مال موجود وعندكم مصروف، هذه مهمتي! هذا مِن وجهة نظره القاصرة؛ أنه ما عليه إلا أن يلبي لهم الاحتياجات الجسدية، أما القلبية السلوكية التعبدية فلا دخل له بها! ولا حول ولا قوة الا بالله.
وبالنسبة للأمهات المربيات اللاتي هن نصف المجتمع، ويربين النصف الثاني: فللأسف تسلل هذا الداء إليهن، وأعلن الانشغال؛ إما بعمل خارج البيت بزعم إثبات الذات، وهي ليست في حاجة إلى ذلك العمل، وإما بصفحات الفيس والتواصل الجماعي أو الواتس، وغير ذلك، أو تسبح مع صيحات الموضة والرونق الجديد!
فجاءت من هنا الغفلة، غفلة الآباء والأمهات عن الرعاية والمسؤولية تجاه الأبناء، فماذا جنى المجتمع من ثمار نتيجة هذه الغفلة؟ لا شك الكثير.
وهذا ما سنتناوله في المقال القادم -بإذن الله-.