كتبه/ مصطفى جمعة عبد التواب
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
بادئ ذي بدء، لا توجد دولة لا تسعى لتطوير نفسها، ولا للحاق بركب النهضة والتطور والرقي، والسؤال الرئيس الذي يطرح نفسه هو: أين المشكلة؟!
ولماذا لا نتقدَّم؟!
هل المشكلة في التخطيط؟ أم في التنفيذ؟ أم في الرقابة؟ أم في ماذا بالضبط؟
وهذا ما جعلني أكتب هذا الأسطر القليلة...
كل دول العالم تسعى إلى تطوير أنظمتها التعليمية لتحقيق حياة كريمة؛ إذ إن الوطن لا يُبْنَى إلا ببناء أبنائه أولًا، لا يُبنَى الوطن بكثرة الأبنية فقط التي لا تتحدث، ولا تبتكر، ولا تنتج، وإن كنتُ لا أقلل من شأن البنية التحتية في المجتمعات، لكن يُبنَى الوطنُ بالعنصر الفاعل فيه، وهو الوحدة الأساسية في بناء الأوطان ابتداءً، وهو: (الإنسان)؛نعم، هو الإنسان الذي يمر على المصنع التعليمي بكل مراحله ليُشَكَّل في صورة قالب يمكن وضعه في لَبِنَات بناء الوطن.
وأنا أسأل سؤالين نحتاج إلى إجابة أو -على الأقل- السعي للإجابة عليهما في مجال التطبيق لا التنظير وفقط:
السؤال الأول: هل وحدة بناء الأوطان (الإنسان) تُعد كما نحتاج، وكما ينبغي داخل أنظمتنا التعليمية؟
السؤال الثاني: هل لو تم إعداد هذه الوحدة كما نحتاج، وكما ينبغي، يكون لها مكان في البناء (سوق العمل) توضع فيه بشكلٍ صحيحٍ؟
عدم الإجابة عن هذين السؤالين ابتداءً لدى أي مخطط لإصلاح النظم التعليمية، ومِن ثَمَّ إصلاح المجتمع؛ سيجعله يسير في تحقيق أهداف تبطئ الوصول -إن لم تعطله بالكلية-؛ لذا لا بد للمخطط والمنفذ، والذي يسعى للنهوض أن يضع نصب عينيه أمرين.
أولًا: إعداد الخريج لسوق العمل.
ثانيًا: إتاحة سوق عمل للخريج.
أولًا: إعداد الخريج لسوق العمل:
إعداد الخريج بطريقة شاملة "دينيًّا وأخلاقيًّا، وثقافيًّا، واجتماعيًّا، وجسميًّا"، وغير ذلك، مع التركيز على ميوله، وما يحب ويرغب؛ لا وَفْق قالبٍ لا يمكنه أن يتعداه، ويكون ذلك في سنٍّ مبكرة حتى يستطيع أن يكون عنصرًا فاعلًا في مجتمعه، ويعتبر طالب التعليم الفني ذو خصوصية حيث إنه المتعامل المباشِر مع سوق العمل، فينبغي أن يختار ابتداءً بعناية وأن يتم تدريبه تدريبًا شاملًا في مجال تخصصه الذي اختاره برغبته لا وَفْق مجموعه، وييسر له كل طريق لإتقان ذلك التخصص، وعلى الحكومات أن تدعم ذلك بكل سبيل وطاقة، فهذا البناء يحتاج إلى بذل حقيقي لا صوري، والقول بالقول يذكر: أن سرَّ التقدم لدى كافة الدول المتقدمة هو فهم طبيعة التعليم الفني، واستخدامه كأداة للنهوض والتطور.
ثانيًا: إتاحة سوق عمل للخريج:
إن أكثر ما يُزَهِّد طلاب التعليم الفني فيه: هو النظر لما بعد التخرج، ومصير الأجيال السابقة من خريجيه، والإحصاءات المحزنة في هذا الصدد، وكم البطالة في خريجي هذا النوع من التعليم؛ ففي الوقت الذي نستورد فيه ما نستطيع أن نصنعه داخل بلادنا، نصر على استيراده من الخارج، مع الإصرار على عدم البدء!
نعم البدء الصحيح ستزداد به التكلفة، لكن سريعًا ما يتحسن الوضع لو أخذنا هذه الخطوة؛ فلذلك ينبغي إتاحة سوق عمل في كل تخصصات التعليم الفني.
مثال على ذلك: صناعة الغزل والنسيج التي تم تدميرها في القطر المصري، وغيرها الكثير والكثير، بحيث يكون الطالب الخريج مِن التعليم الفني له تكليف في سوق العمل الحكومي أو الخاص بدعم الحكومات للسوق الحر.
وعلى ذلك؛ فإن أولى خطوات النهوض: "طالب ذو جودة عالية يُتاح له سوق يستوعبه".