كتبه/ أحمد حمدي
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
فقد قال -تعالى- لإبراهيم -عليه السلام-: (إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي) (البقرة:124).
فإبراهيم -عليه السلام- لا يريد فقط أن يكون إمامًا، بل يريد ذريته أيضًا أئمة وفعلًا جعل الله خليل الرحمن أبًا لكل الأنبياء؛ فكل الأنبياء مِن بعده مِن ذريته: إسماعيل، وإسحاق ويعقوب، ويوسف، وموسى، وداود وسليمان وزكريا، ويحيى وعيسى، ومحمد -عليهم صلوات الله وسلامه-؛ إلا لوط -عليه السلام-.
قال الله -تعالى-: (إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً) (النحل:120)، أي: إمامًا يُقتدَى به في الخير، فما زلنا نذكر إبراهيم -عليه السلام- عبر آلاف السنين، ولا نذكر الملوك والأمراء والرؤساء، والوزراء، والأغنياء والأثرياء، قال -تعالى- على لسان إبراهيم -عليه السلام-: (وَاجْعَلْ لِي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الآخِرِينَ)؛ لأنه عاش لله فأعلى الله ذكره بين الخلائق في الدنيا والآخرة.
وقد رأه النبي -صلى الله عليه وسلم- يسند ظهره إلى البيت المعمور في السماء السابعة، وقال النبي -صلى الله عليه وسلم- عن إبراهيم -عليه السلام- لما قيل له: "يَا خَيْرَ الْبَرِيَّةِ"، فقال: (ذَاكَ إِبْرَاهِيمُ) (رواه مسلم)، فأكثر الخلق تأثيرًا في الخلق هم الأنبياء والرسل ثم الصحابة والتابعين والعلماء، فما نالوا هذا الشرف والألقاب والترضي والترحم عليهم إلا بالعمل.
- فإذا ذُكر الصدق، ذكر أبو بكر الصديق -رضي الله عنه-، وإذا ذُكر العدل والقوة في الدِّين ذُكر الفاروق عمر -رضي الله عنه-.
- وراوية الإسلام أبو هريرة -رضي الله عنه- مِن أهل الصفة، صحب النبي -صلى الله عليه وسلم- 4 سنوات ولازمه، ومع أنه كان أميًّا لا يقرأ ولا يكتب، ولكنه كان يحفظ ويراقب أفعال النبي -صلى الله عليه وسلم- وترك التجارة، وانشغل بالنبي -صلى الله عليه وسلم-، وروى 5374 حديثًا.
- وكذلك أول سفير للإسلام هو مصعب بن عمير -رضي الله عنه- ترك حياة الترف ولُبس أفضل الثياب، ووضع أفضل العطور، وذهب إلى المدينة مسافة 450 كم فاتحًا لها بالقرآن.
- وكذلك ابن عباس حبر الأمة وترجمان القرآن، والعالِم بالتفسير، وأعلمهم بالفرائض "المواريث" زيد بن ثابت، وأعلمهم بالحلال والحرام معاذ بن جبل -رضي الله عنهم-، وأمير المؤمنين في الحديث سفيان الثوري -رحمه الله-.
- وأصح كتاب بعد كتاب الله -عز وجل- صحيح البخاري، فقد كان يسافر شهرًا كاملاً لطلب حديث واحد، ويوقد السراج في الليلة الواحدة 20 مرة لتدوين وكتابة الخواطر التي تطرأ عليه.
- وكذلك الإمام أحمد ابن حنبل إمام أهل السنة والجماعة في محنة خلق القرآن قضى 28 عامًا في طلب العلم 30 ألف ميل "الميل العربي 3 كم"، أي: 90 ألف كم، وحج مِن بغداد إلى مكة ماشيًا 3 مرات.
- وشيخ المفسرين وشيخ المؤرخين ابن جرير الطبري الذي قال لتلامذته: "هل تنهضون لكتابة التفسير والتاريخ عني في 30 ألف صفحة"، فقالوا: "هذا ما تفنى فيه الأعمار!"، فقال: "إنا لله وإنا إليه راجعون، فاختصر كل واحد في 3 آلاف صفحة".
- وابن عقيل مؤلف أكبر كتاب في التاريخ الفنون 800 مجلد، وإمام الحرمين الجويني، وسلطان العلماء العز بن عبد السلام.
- وشيخ الإسلام ابن تيمية مؤلف مجموع الفتاوى 37 مجلدًا، كان يكتب كل يوم 4 كراريس، الواحدة تفرغ في أسبوع، وجده المجد أبو البركات صاحب منتقى الأخبار في الفقه الحديثي يجعل ابنه يقرأ عليه الحديث وهو في قضاء حاجته في الخلاء حتى لا تضيع عليه هذه الدقائق.
- وهند بنت عتبه زوجه أبي سفيان بن حرب عندما قيل لها: "إن عاش الغلام -معاوية - سيسود قومه، فقالت هند: ثكلته إن لم يسد إلا قومه"، فكان معاوية بن أبي سفيان -رضي الله عنهما- أعظم الملوك في تاريخ الإسلام.
- والأئمة الأربعة ما نالوا هذه الألقاب إلا بالجد والعمل والاجتهاد.
فتشبهوا إن لم تكونوا مثلهم إن الـتـشـبـه بـالـكـرام فـلاح