كتبه/ إبراهيم جاد
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
فاعلموا يا شباب الإسلام أنكم عدتنا ورجالات أمتنا، وقوامها وعقلها وساعدها، وأنتم بأمر الله مستقبلها ورجاؤها، ورأسها وجناحها، فكونوا على مستوى المسئولية، وعلى قدر التحدي مستمسكين بكتاب ربكم وسنة نبيكم -صلى الله عليه وسلم-، وهدي سلفكم الصالح.
يا شباب الإسلام... انتبهوا: فإن الطعن في أصولكم على أشده، والخوض في تراثكم إلى منتهاه، ومحاولة تحطيم الرؤوس وضرب الرموز مستعرة؛ إنها حرب ضروس وأعداء كثر، ومنافذ جديدة لمداحض الفتن.
ها هو البخاري -رحمه الله- يُطعن فيه اليوم، ومِن قبله أبو هريرة -رضي الله عنه- حتى يصلوا لكتاب ربكم، وأني لهم ذلك؛ فالحفظ مِن الله -تعالى-.
التحدي كبير، والفتن شديدة تبرز بأنيابها، وتخترق بمخالبها، وتطل علينا من الداخل والخارج، وقد تكون بأيادٍ منا مسمومة أو مدفوعة، أو مأجورة أو مغرر بها، أو بأيدي أعدائنا، ولكن الله معنا، ومَن كان الله معه لا يُغلب ولا يقهر، ففي حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (سَتَكُونُ فِتَنٌ القاعِدُ فيها خَيْرٌ مِنَ القائِمِ، والقائِمُ فيها خَيْرٌ مِنَ الماشِي، والماشِي فيها خَيْرٌ مِنَ السَّاعِي، ومَن يُشْرِفْ لها تَسْتَشْرِفْهُ، ومَن وجَدَ مَلْجَأً أوْ مَعاذًا فَلْيَعُذْ بهِ) (رواه البخاري)، فلنعذ جميعًا بكتاب الله وسنة نبيه -صلى الله عليه وسلم-، ونستمسك بغرس العلماء العاملين والدعاة الصادقين.
يا شباب الإسلام... أوصيكم ونفسي بتقوى الله في السر والعلن، وفي السراء والضراء، وفي المنشط والمكره، واعلموا أن الآجال معلومة والأقدار مكتوبة، فاحفظوا حدود الله يحفظكم، واستعينوا به يعينكم، قال -تعالى-: (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا) (الطلاق:2).
وعن أبي العباس عبد الله بن عباسٍ -رضي الله عنهما- قال: كُنْتُ خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَوْمًا، فَقَالَ: (يَا غُلَامُ إِنِّي أُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ، احْفَظِ اللَّهَ يَحْفَظْكَ، احْفَظِ اللَّهَ تَجِدْهُ تُجَاهَكَ، إِذَا سَأَلْتَ فَاسْأَلِ اللَّهَ، وَإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ، وَاعْلَمْ أَنَّ الأُمَّةَ لَوْ اجْتَمَعَتْ عَلَى أَنْ يَنْفَعُوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَنْفَعُوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ لَكَ، وَلَوْ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَضُرُّوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَيْكَ، رُفِعَتِ الأَقْلَامُ وَجَفَّتْ الصُّحُفُ) (رواه أحمد والترمذي، وصححه الألباني).
يا شباب الإسلام... دعوكم من المثبطين وقنواتهم التي تغيِّب العقول، وتعيِّش في الوهم، وتخدم أهدافهم، وتسعى فقط لمصالحهم، بعيدًا عن أي مصلحة لكم؛ فضلًا عن وطنكم وأرضكم!
ودعوكم من المحبطين ونظراتهم التشاؤمية، ومِن المتربصين واتهاماتهم الزائفة وغيِّروا الواقع بالإيمان الحق بالله -تعالى-، والعمل الصالح الدنيوي قبل الأخروي، وافتحوا صفحات التفاؤل واملؤوها بالأمل والثقة في وعد الله -عز وجل- وموعوده، قال الله -تعالى-: (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ) (النور:55).
يا شباب الإسلام... الله الله في دينكم، فإن التمسك به فلاح، والسير على سنة النبي -صلى الله عليه وسلم- نجاح؛ فاسعوا إلى تنفيذ الأوامر واجتناب النواهي، فكل هذا كافٍ -بفضل الله- لتغيير الأحوال، وتبديل الأدوار، وكثرة الخيرات وزيادة البركات، وسيادة الدنيا، ورفعة الشأن، وبلوغ كل غاية لكم، وكل هدف تسعون إليه، وفي تحقيق الطمأنينة، والسعادة والاستقرار في الدنيا، وإن شاء الله في الآخرة، قال الله -تعالى-: (وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا) (الجن:16).
فيا شباب الإسلام... إنهم فتحوا لنا الشبكات العنكبوتية لأهدافهم الخبيثة ونشرهم الرذيلة، وشبهاتهم الدنيئة، وسفاسفهم البذيئة؛ فاستغلوها في نشر نور الإسلام وأخلاقه وقيمه، وأهدافه النبيلة، ومقاصده الجليلة، وسلوكه القويم.
قال العلامة ابن عثيمين -رحمه الله-: "زاحموا أهل الباطل في الإنترنت حتى يتبين الحق" (تفسير سورة الشورى، شريط ??).
يا شباب الإسلام... هذه بلادكم فاحفظوها واحفظوا لها كل خير، واعترفوا لها بكل جميل، واذكروا لها كل فضل، فحبكم لبلادكم دين، وتعميركم لها دين، وحفاظكم عليها مِن أعلى مطالب الدين.
روى البخاري في صحيحه: "كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِذَا قَدِمَ مِنْ سَفَرٍ، فَأَبْصَرَ دَرَجَاتِ المَدِينَةِ، أَوْضَعَ نَاقَتَهُ"، أي: أسرع بها.
قال ابن حجر -رحمه الله-: "فيه دلالة على مشروعية حب الوطن، والحنين إليه" (فتح الباري).
يا شباب الإسلام... احذروا إعلام الرذيلة، وهدم القيم، وتربية الجريمة، وضرب المجتمع في أخلاقه بأفلامهم الخليعة، ومسلسلاتهم التي تنشر الفحش وتلعب على وتر الجنس، وتهتك الستر، وتعلم الخيانة، وتدفع إلى المزيد من العنف المجتمعي، والانحلال الأخلاقي، قال الله -تعالى-: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) (النحل:90).
يا شباب الإسلام... اعرفوا الفضل لأهل الفضل، وقدروا العلماء والدعاة والمصلحين العاملين بحق الله - سبحانه وتعالى-؛ زاحموهم بالركب، والزموهم في الفتن، ولا تلتفتوا لمَن يريد إسقاطهم أو التشكيك فيهم، أو تسفيه آرائهم، أو التقول عليهم، أو صرف النظر عنهم، واتخاذ رؤوس جهال ضلوا ويضلون غيرهم، كما في حديث عبد الله بن عمرو -رضي الله عنهما- قال: سَمِعْتُ رسولَ اللهِ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- يقول: (إِنَّ اللَّهَ لاَ يَقْبِضُ العِلْمَ انْتِزَاعًا يَنْتَزِعُهُ مِنَ العِبَادِ، وَلَكِنْ يَقْبِضُ العِلْمَ بِقَبْضِ العُلَمَاءِ، حَتَّى إِذَا لَمْ يُبْقِ عَالِمًا اتَّخَذَ النَّاسُ رُءُوسًا جُهَّالًا، فَسُئِلُوا فَأَفْتَوْا بِغَيْرِ عِلْمٍ، فَضَلُّوا وَأَضَلُّوا) (متفق عليه).
إن الأجيال في إعداد الأمة ليس بكثرة عددها فحسب، بل بإنجازهم وبناء مجدها على قواعد ترضي الله -عز وجل-، ثم تثمر علمًا وعملًا يقود مقود الحضارة الحديثة، والتقدم التقني، والريادة العلمية في عالمنا الحديث، وأنتم يا شباب الإسلام أولى الناس بذلك، وأجدر مَن يعطي، وأبرز مَن يفكر، وتاريخكم مليء مجدًا في طريق الإيمان بالله -عز وجل-، وفي السيطرة على زمام العلم الحديث، فعلماؤنا غيَّروا مجرى البشرية بشتى أنواع علومهم.
فالله أسأل أن يحفظكم من كل مكروه، ويصرف عنكم أي سوء، ويعينكم على كل خير في الدنيا والآخرة.
وصلى الله وسلم على نبينا محمدٍ، وعلى آله وصحبه وسلم.