كتبه/ مصطفى دياب
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
قال الله -تعالى-: (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ طِينٍ) (المؤمنون:12)، فخلق الله آدم -عليه السلام- من شيء بسيط من الطين وصَوَّرَهُ في صورته وهي أحسن صورة، ثم نفخ فيه الروح فقام حيًّا، ثم خلق الله حواء -أم البشر- مِن ضلع آدم -عليه السلام-، وعاش آدم وحواء في الجنة -ما شاء الله- أن يعيشا، وكانت العورة مستورة، ثم كان ما كان من إغواء الشيطان لآدم وزوجته حواء، وهبطا من الجنة لحكمة يعلمها الله وبدت عوراتهما (فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا) (طه:121)، وشاء الله أن يحدث التناسل والتكاثر في المجتمع ليبقى نوع البشر.
وخلق الله في آدم وحواء أجهزة وغددًا تناسلية، فكان من وظائف الجهاز التناسلي عند المرأة إنتاج البويضة، وعند الرجل إنتاج الحيوانات المنوية والسائل المنوي (المنيّ)، ولا يتحقق إنتاج البويضة أو المني عند الفتى أو الفتاة إلا عند البلوغ، وبلوغ الفتى غالبًا مع سن 12-14 سنة، وعند الفتاة البلوغ من 11-13 سنة، والبلوغ يعني بداية نضج الجهاز التناسلي عند المراهق والمراهقة.
والجهاز التناسلي عند المراهق يقوم بإنتاج السائل المنوي الذي تسبح فيه الحيوانات المنوية (المني) وهو سائل أبيض غليظ قليلًا ويخرج من مخرج البول للرجل (القضيب أو الذكر أو العورة المغلظة أو فرج الرجل).
وجعل الله مِن أسباب التقاء الحيوانات المنوية والبويضة (بالشهوة) خلقًا جديدًا (الطفل)، ولكن كيف ينتقل الحيوان المنوي إلى الرحم ليصل إلى البويضة؟
لقد جعل الله لهذه العلاقة قانونًا وميثاقًا غليظًا، حيث شرع الله الزواج بين الرجل والمرأة، وبعقد الزواج الشرعي بين الرجل والمرأة أباح الله (فرج المرأة لزوجها)، قال رسول الله: (فَاتَّقُوا اللهَ فِي النِّسَاءِ، فَإِنَّكُمْ أَخَذْتُمُوهُنَّ بِأَمَانِ اللهِ، وَاسْتَحْلَلْتُمْ فُرُوجَهُنَّ بِكَلِمَةِ اللهِ) (رواه مسلم).
وبغير العقد الشرعي يكون (زنا) محرمًا، وهو مِن الكبائر، قال -تعالى-: (وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ . إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ . فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ) (المؤمنون:5-7).
فيجب على المراهق أن يحفظ منيّه فلا يعبث (بذَكَرِهِ) حتى يخرج منه المنِّي، ولا يفعل به ما يحرمه الله، فلا يسمح لأحد أن يلمس عورته سواء بالجد أو المزاح، وكذلك لا يجوز للرجل أن ينظر إلى عورة أخيه ولا عورة المرأة، وكذلك الفتاة يجب أن تتستر بالحجاب الشرعي وتستر عورتها، وعورة المرأة كل بدنها ما عدا الوجه والكفين، وكذلك الفتاة لا تترك نفسها لأحد يلمسها أو يعبث بجسدها.
وكان رسول الله يستعيذ بالله من شر مَنِيّيه فيقول: (اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ سَمْعِي، وَمِنْ شَرِّ بَصَرِي، وَمِنْ شَرِّ لِسَانِي، وَمِنْ شَرِّ قَلْبِي، وَمِنْ شَرِّ مَنِيِّي) (رواه أبو داود والترمذي، وصححه الألباني). أي: مِن شر فرجي بأن يقع في غير محله: (الزنا - اللواط - الاستمناء)، أو غير ذلك من المحرمات.
والآن: كيف يخلقنا الله في بطون أمهاتنا؟!
قال -تعالى-: (أَفَرَأَيْتُمْ مَا تُمْنُونَ . أَأَنْتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَمْ نَحْنُ الْخَالِقُونَ) (الواقعة:58-59)، وقال -تعالى-: (فَلَمَّا تَغَشَّاهَا حَمَلَتْ حَمْلًا خَفِيفًا) (الأعراف:189).
فالزوج -بعقد النكاح- أذن له الشرع أن (يلج فرج الرجل فرج زوجته) ويقذف بشهوة في فرجها المني، فتسبح الحيوانات المنوية في سباق شديد ليصل أحد الحيوانات المنوية إلى البويضة ليكون هو الفائز بتخصيب البويضة ولا يدخلها غيره، وهذه العملية تسمى: (الجماع)، أما بغير عقد الزواج الشرعي فيعتبر ذلك (زنا) وفاعله آثم، ومرتكب لكبيرة من الكبائر يستحق صاحبها الجلد إن لم يكن متزوجًا، أو الرجم إن كان متزوجًا، ومَن فعل ذلك مع (ذكرٍ مثله أو غلام أو بهيمة) فقد وقع في فاحشة اللواط أو الشذوذ، وهو محرم عند الله ومن الكبائر.
وقد شجع الشرع الزواج الشرعي: قال -تعالى-: (وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ... ) (النور:32)، وأمر مَن لم يستطع الزواج بالعفة فقال: (وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ .. ) (النور:33).
وعقد النكاح وهذا الارتباط الجنسي بين الزوجين شجعهُ رسول الله، فقال: (وَفِي بُضْعِ أَحَدِكُمْ صَدَقَةٌ)، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، أَيَأتِي أَحَدُنَا شَهْوَتَهُ وَيَكُونُ لَهُ فِيهَا أَجْرٌ؟ قَالَ: (أَرَأَيْتُمْ لَوْ وَضَعَهَا فِي حَرَامٍ أَكَانَ عَلَيْهِ فِيهَا وِزْرٌ؟ فَكَذَلِكَ إِذَا وَضَعَهَا فِي الْحَلَالِ كَانَ لَهُ أَجْرٌ) (رواه مسلم). و(بُضْع أَحَدِكُمْ): يعني منيّهُ يوجهه لزوجته مجامعًا لها.
وبوصول الحيوان المنوي إلى البويضة وتخصيبها تبدأ رحلة جديدة للخلق في رحم الأم، قال -تعالى-: (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ طِينٍ . ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ . ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ) (المؤمنون:12-14)، والنطفة هي المنيّ ولونه أبيض غليظ قليلًا، والقرار المكين هو رحم الزوجة.
(ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً): بعد فترة يتحول هذا الخليط مِن المني والبويضة إلى قطعة دم متجمعة حمراء وتلك هي العلقة. (فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً): ثم تتحول قطعة الدم الحمراء إلى قطعة لحم حمراء وبمقدار ما يمضغه الإنسان في فيه من طعام. (فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا): ثم يُحوِّل الله -عز وجل- بقدرته هذه المضغة إلى عظم دقيق وصغير، فيتكون الهيكل العظمي للطفل في بطن أمه كاملًا في غاية الدقة والإحكام. (فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا): ثم يخلق الله خلايا اللحم لتبدأ في كسوة الهيكل العظمي. (ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ): فيُصبح الجنين وقد شق الله فيه سمعه وبصره وأمدَّه بأسباب الحياة من الحركة والإحساس، والسمع والبصر والفؤاد، وغيرها، ثم يخرج من بطن أمه طفلًا رضيعًا صارخًا باكيًا؛ ليصبح بعد ذلك صبيًّا ثم غلامًا ثم مراهقًا، ثم شابًا ثم كهلًا، ثم شيخًا. (ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذَلِكَ لَمَيِّتُونَ?: فيموت الإنسان عند ذلك أو أثناء ذلك في أي مرحلة من الرحلة.
ولذلك يقول الله -عز وجل- للملحدين والجاحدين والكافرين: (أَفَرَأَيْتُمْ مَا تُمْنُونَ . أَأَنْتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَمْ نَحْنُ الْخَالِقُونَ)، فهذا المني الذي تقذفونه في أرحام نسائكم مَن الذي خلقه لكم، وخلق لكم منه الأبناء والذرية؟! أأنتم أم الله؟!
(فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ).
وصلِّ اللهم على سيدنا محمدٍ، وعلى آله وصحبه أجمعين.