الموقع الرسمي لفضيلة الشيخ ياسر برهامي
الأحد 04 يونيو 2006 - 8 جمادى الأولى 1427هـ

المنهج السلفي في الاستدلال
وقاية من الفتن

كتبه/ عبد المنعم الشحات

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

فيمكننا أن نحصر المدارس المختلفة في مناهج الاستدلال ومصادر التلقي إلى ثلاثة مدارس رئيسية:

1- المدرسة السلفية: وهم الذين يرجعون إلى الكتاب والسنة بفهم سلف الأمة.

2- المدرسة العقلانية: وهم الذين يرجعون إلى العقل أولاً -عقولهم أو عقول غيرهم ممن سبقهم-، ثم القرآن –ثانيًا- بعد أن يخضعوه لما ظنوه قطعيات عقلية، ثم إلى السنة -ثالثـًا- بعد إخضاعها للقرآن -فيما يزعمون- والذي بدوره قد تم إخضاعه للعقل، وربما أنكر بعضهم حجية السنة بالكلية.

ويأتي على رأس هؤلاء: المعتزلة، ثم المتكلمون من الأشاعرة والكلابية.

وفي العصر الحديث تأتي المدرسة العقلانية الحديثة التي هي امتداد للمدرسية العقلانية القديمة مع اختلاف الميدان الذي خاضوا غماره والعقول التي رجعوا إليها.

فبينما خاض الأولون في المسائل الغيبية ورجعوا فيها إلى عقول فلاسفة ما وراء الطبيعة، خاض المعاصرون في مسائل التشريع لا سيما تلك التي تتعلق بشئون الحياة العامة، ورجعوا فيها إلى عقول فلاسفة العصور المعروفة في أوروبا بعصور النهضة.

3- المدرسة الكشفية: وهم الذين يقولون: حدثني قلبي عن ربي، ودينهم: الاعتماد على الرؤى والمنامات والكشوفات، وادعاء لقيا الخضر، وربما ادعاء لقيا النبي -صلى الله عليه وسلم- يقظة إلى غير ذلك من الأباطيل، وهؤلاء -أيضًا- يرجعون إلى الكتاب والسنة، ولكن بعد إخضاعهما لسلطة الكشف والتجليات، ومن هنا تظهر الصفة المميزة للمنهج السلفي الأثري، وهي: التقييد بفهم سلف الأمة للقرآن والسنة، فإن كلا من المعتزلة والصوفية ربما تبجحوا وادعوا الرجوع للكتاب والسنة، ولكن أحدًا منهم لا يجرؤ على ادعاء أنه ما يقوله هو فهم السلف للقرآن والسنة.

والأدلة على وجوب الرجوع للكتاب والسنة كثيرة معلومة، منها: قوله -تعالى-: (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُبِينًا) (الأحزاب:36).

وقال -عز وجل- مبينـًا أهمية السنة في شرح القرآن: (وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ) (النحل:44).

وكذا الأدلة في التزام فهم السلف كثيرة معلومة، منها: قوله -تعالى-: (وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا) (النساء:115).

ومنها: قوله -صلى الله عليه وسلم-: (فَعَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ، عَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ) (رواه أبو داود والترمذي، وصححه الألباني).

وليس المقام مقام تفصيل لبيان لزوم منهج السلف وفساد منهج كل من العقلانيين والصوفيين، ولكن أردنا أن نأخذ بعض العبر مما يمر بنا من أحداث؛ لنرى ماذا تصنع البدعة بأهلها، ولنرى عظم منة الله على أهل السنة؛ إذ عافاهم باتباع السنة مما ابتلي به كثيرًا غيرهم، كما قال الإمام مالك -رحمه الله-: "السنة سفينة نوح، من ركب فيها؛ نجا، ومن لم يركب فيها؛ هلك".

وإليك هذه الدروس الواقعية من خلال هؤلاء المبتدعة:

من يدعي رؤية النبي -صلى الله عليه وسلم- يقظة، وأنه يشافهه ويسأله عن تصحيح الأحاديث وعن كثير من الأحكام الشرعية ابتلاه الله على حين غفلة منه بكثرة المخالفين، بل وكثرة المسائل التي اضطر فيها إلى أن يكثر من قول: لا أدري، ويطالب بالتريث في بحثها، فأين ذهبت لقاءاته برسول الله -صلى الله عليه وسلم- منامًا ويقظة؟!

بل ها هي البهائية تطل برأسها من جديد، وعلى الرغم من أن البهائية ولدت من رحم الشيعة الغالية إلا أن علماء الشيعة أفتوا بكفر البهائية.

ولكن السؤال: هل تستطيع الشيعة وربيبتها الصوفية أن يواجهوا البهائية، وكل منهم يحيل على رؤى ومنامات وفتوحات وإشراقات وتجليات؟!

وأما ثالثة الأثافي فأتت من منتسب إلى الفكر الإسلامي، ولكنه فقد ما تبقى له من عقله وفكره، ولم يبق إلا "العقلانية" المقيتة لا يصادم بها السنة فحسب، بل يصادم القرآن صراحة، فآدم خلق من حواء! والمسلمة يجوز أن تتزوج الكتابي!، ناهيك عن إسقاط الجزية وغيرها مما كان قد فرغ منه منذ سنوات، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم!

ولما عارضوا كلامه بكلام من هم على طريقة العقلانية إلا أنهم ما زالوا يحتفظون بقدر من عقولهم؛ قال: غدًا سيقولون بما أقول به الآن كما فعلوا مع فتاواي السابقة!، وهذا أمر ليس بمستبعد، وإن كنا ندعو الله ألا يأتي ذلك اليوم.

ولكن كلما زادت الضغوط الغربية لتقديم مزيد من القرابين والتنازلات، وطالما تلقى هذه الضغوط مناهج غير مقيدة بفهم السلف، ولديها استعداد لتأويل القرآن والسنة بما يخدم آراءهم وأهواءهم -إن لم يلغوا حجية السنة بأكملها-، طالما وجد ذلك؛ فظن شرًّا، ولا تسأل عن الخبر.

فاللهم يا ولي الإسلام وأهله مسكنا به حتى نلقاك عليه. آمين.