كتبه/ أحمد السيد
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
فلما بعُد الناس عن دين ربهم، واعتمدوا على آرائهم وأهوائهم؛ اختلفت مشاربهم؛ فتعددت الطرق، وتفرقت السبل، فأصبح كل فريق بما لديهم فرحون، وظهرت البدع والخرافات في الدين.
وحينئذ كان لزامًا على أهل الحق أن يتميزوا عن أهل الضلال؛ فقام العلماء -ورثة الأنبياء- بتوضيح منهج النبي -صلى الله عليه وسلم-، ودافعوا عنه، ونصروا السنة و(لاَ يَزَالُ اللَّهُ يَغْرِسُ فِي هَذَا الدِّينِ غَرْسًا يَسْتَعْمِلُهُمْ فِي طَاعَتِهِ) (رواه أحمد وابن ماجه، وحسنه الألباني)، ويحمل هذا العلم من كل خلف عدوله ينفون عنه تأويل المضلين وانتحال المبطلين، ولذا كانت هذه الرسالة التي تشير إشارة سريعة إلى معالم ومنهج أهل السنة والجماعة -إلى معالم المنهج السلفي-.
فهذه صفحات بيضاء، وإشارات خضراء على الطريق الصحيح للجنة.
الصفحة الأولى:
السلف: هي في اللغة من تقدمك من آبائك وذوي قرابتك الذين هم فوقك في السن والفضل.
وأما في الاصطلاح: فتدور كل تعريفات السلف حول الصحابة، أو الصحابة والتابعين وتابعيهم من الأئمة الأعلام المشهود لهم بالإمامة والفضل.
يقول العلامة محمد سلوم في كتابه "مختصر لوامع الأنوار البهية": "المراد بمذهب السلف: ما كان عليه الصحابة الكرام -رضوان الله عليهم-، وأعيان التابعين لهم بإحسان وأتباعهم وأئمة الدين، ممن شُهد له بالإمامة، وعُرف عظم شأنه في الدين، وتلقى الناس كلامهم خلفـًا عن سلف، دون من رُمي ببدعة أو شهر بلقب غير مرضي -مثل الخوارج-، والروافض.. ونحوهم".
وقال القلشاني: "السلف الصالح: وهو الصدر الأول الراسخون في العلم المهتدون بهدى النبي -صلى الله عليه وسلم- الحافظون لسنته، اختارهم الله -تعالى- لصحبة نبيه -صلى الله عليه وسلم-، وانتخبهم لإقامة دينه ورضيهم أئمة الأمة، وجاهدوا في سبيل الله حق جهاده، وأفرغوا في نصح الأمة وسعهم، وبذلوا في مرضاة الله أنفسهم، وقد أثنى الله عليهم في كتابه، فيجب اتباعهم فيما نقلوه، واقتفاء آثارهم فيما عملوه، والاستغفار لهم".
ويقول الشيخ محمود خفاجي: "ليس هذا التحديد الزمني كافيًا في ذلك، بل لابد أن يضاف إلى هذا السبق الزمني موافقة الرأي للكتاب والسنة وروحهما، فمن خالف رأيه الكتاب والسنة؛ فليس بسلفي -وإن عاش بين أظهر الصحابة والتابعين وتابعي التابعين-".
فالسلف -إذن- مصطلح يطلق على الأئمة المتقدمين من أصحاب القرون الثلاثة الأول المباركة من الصحابة والتابعين وتابعي التابعين المذكورين في حديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (خَيْرُ النَّاسِ قَرْنِي، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ يَجِيءُ قَوْمٌ تَسْبِقُ شَهَادَةُ أَحَدِهِمْ يَمِينَهُ، وَيَمِينُهُ شَهَادَتَهُ) (متفق عليه).
فكل من التزم بعقائد وفقه وأصول هؤلاء الأئمة؛ كان منسوبًا إليهم -وإن باعدت بينه وبينهم الأماكن والأزمان-، وكل من خالفهم؛ فليس منهم -وإن عاش بين أظهرهم، وجمع نفس المكان والزمان-!