كتبه/ مصطفى دياب
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
فلقد كان عليّّ -رضي الله عنه- منذ صباه عاقلاً شجاعًا وفيًّا ذا قلب نقي، جاء إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- بعد إسلام خديجة -رضي الله عنها- فوجدهما يصليان، فقال على: "ما هذا يا محمد؟"، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (دين الله الذي اصطفى لنفسه وبعث به رسله، فأدعوك إلى الله وحده وإلى عبادته وتكفر باللات والعزى)، فقال له عليّ: "هذا أمر لم أسمع به قبل اليوم، فلست بقاض أمرًا حتى أحدث أبا طالب".
فكره رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن يفشي عليًّا سره قبل أن يستعلن أمره، فقال له: (يا عليّ إذا لم تسلم؛ فاكتم)، فمكث عليّ تلك الليلة، ثم إن الله أوقع في قلب عليّ الإسلام، فأصبح غاديًا إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، حتى جاءه فقال: "اعرض علَىّ يا محمد؟" فقال له رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (تشهد أن لا اله إلا الله وحده لا شريك له، وتكفر باللات والعزى، وتبرأ من الأنداد).
ففعل عليّ وأسلم، ومكث عليٌّ يأتيه على خوف من أبي طالب، وكتم علي -رضي الله عنه- إسلامه ولم يظهر به، وكان النبي -صلى الله عليه وسلم- إذا حضرت الصلاة؛ خرج إلى شعاب "مكة" وخرج معه على بن أبي طالب مستخفيًا من أبيه وأعمامه وسائر قومه، يصليان فإذا أمسيا رجعا.
أخي -فتى الإسلام- قف وتدبر هذا الموقف وتأمل ما فيه من الفوائد الإيجابية:
1- رجاحة عقل عليّ -رضي الله عنه-؛ إذ ميّز أن ما عليه النبي -صلى الله عليه وسلم- يخالف دين الآباء فقال: "ما هذا يا محمد؟".
2- يجب على العبد إذا رأى ما يجهل أن يسأل عنه حتى يتعلم.
3- وضوح دعوة الرسول -صلى الله عليه وسلم- منذ اليوم الأول، توحيد الله وكفر بالطاغوت.
4- الرجوع إلى الأكبر والأكثر خبرة لسؤاله قبل العزم على ما تجهل "فلستُ بقاض أمرًا حتى أحدث أبا طالب".
5- حفظ السر خاصة إذا طلب منك ذلك.
6- التفكير فيما يعرض على المرء، إن خيرًا؛ أمضاه، وإن شرًا تنحى عنه.
7- سرعة دراسة الأمور وأخذ القرار قبل فوات الأوان، فقد أصبح عليٌّ لسبقه أول من آمن من الصبيان.
8- الحرص على الطاعة -خاصة الصلاة- مع ما يحضرها من مخاطر.
9- استعينوا على قضاء حوائجكم بالكتمان، فقد ظل مستخفيًا ممن يخاف أذاهم واضطهادهم.
10- الحرص على مرافقه الداعي إلى الله والتعلم منه.
11- الحرص على مرافقه أهل الصلاح والتأدب بآدابهم والتعلم من علمهم.
وبعد؛
فهذا موقف مشرف من مواقف عليّ بن أبي طالب ـ رضي الله عنه ـ في صباه.
فإلى اللقاء في موقف آخر -إن شاء الله-، وصلِّ اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم.