كتبه / مصطفى دياب
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمْ الْيَوْمَ صَائِمًا؟) قَالَ أَبُو بَكْرٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-: أَنَا قَالَ: (فَمَنْ تَبِعَ مِنْكُمْ الْيَوْمَ جَنَازَةً؟) قَالَ أَبُو بَكْرٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-: "أَنَا"، قَالَ: (فَمَنْ أَطْعَمَ مِنْكُمْ الْيَوْمَ مِسْكِينًا؟) قَالَ أَبُو بَكْرٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-: "أَنَا"، قَالَ: (فَمَنْ عَادَ مِنْكُمْ الْيَوْمَ مَرِيضًا؟) قَالَ أَبُو بَكْرٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-: "أَنَا"، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (مَا اجْتَمَعْنَ فِي امْرِئٍ إِلاَّ دَخَلَ الْجَنَّةَ) (رواه مسلم).
وفي رواية أخرى: (مَا اجْتَمَعَ هَذِهِ الْخِصَالُ فِي رَجُلٍ فِي يَوْمٍ، إِلاَّ دَخَلَ الْجَنَّةَ) (رواه البخاري في "الأدب المفرد").
قوله -صلى الله عليه وسلم-: (مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمْ الْيَوْمَ صَائِمًا؟)، قال أبو بكر-رضي الله عنه-: "أنا"، إلى قوله -صلى الله عليه وسلم-: (مَا اجْتَمَعْنَ فِي امْرِئٍ إِلاَّ دَخَلَ الْجَنَّةَ).
قال القاضى: معناه: دخل الجنة بلا محاسبة ولا مجازاة على قبيح الأعمال، وإلا فمجرد الإيمان يقتضى دخول الجنة -بفضل الله تعالى-.
وفي رواية أخرى زاد النبي-صلى الله عليه وسلم- واحدة فقال: (فأيكم اليوم تصدق بصدقة)، فقال أبو بكر -رضي الله عنه-: أنا يا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم- لأبى بكر -رضي الله عنه-: (أبشر بالجنة.. أبشر بالجنة.. الله أكبر.. الله أكبر).
ما أعظم هذه الأعمال الطيبة المباركة التي تؤول بصاحبها إلى الجنة، وقد يتعجب الواحد منا كيف يحدث ذلك كله ما بين أذان الفجر والإقامة؟! ولكن يزول العجب عندما تسمع حديث الحبيب محمد -صلى الله عليه وسلم- وقد صلى الصبح فلما قضى صلاته قال: (أيكم اليوم أصبح صائمًا؟) فقال عمر: أما أنا يا رسول الله بت لا أحدث نفسي بالصوم، فأصبحت مفطرًا، فقال أبو بكر: أنا يا رسول الله بت الليلة أحدث نفسي بالصوم، فأصبحت صائمًا، قال: (فأيكم اليوم عاد مريضًا)، فقال عمر: يا رسول الله إنا صلينا الساعة ولم نبرح فكيف نعود المريض؟!، فقال أبو بكر: أنا يا رسول الله أخبروني أن أخي عبد الرحمن بن عوف وجع، فجعلت طريقي عليه، فسألت عنه ثم أتيت المسجد، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (فأيكم اليوم تصدق بصدقة؟) فقال عمر مثل ما قال أولاً، فقال أبو بكر: أنا يا رسول الله لما جئت من عند عبد الرحمن بن عوف دخلت المسجد، وإذا بسائل يسأل وابن لعبد الرحمن بن أبى بكر معه كسرة خبز فأخذتها منه، فناولتها السائل فقال -صلى الله عليه وسلم- لأبى بكر: أبشر بالجنة، أبشر بالجنة. مرتين. (الرياض النضرة في مناقب العشرة).
أرأيت أخي الحبيب.. كيف كان الحرص على الطاعة، بل الحرص على الجنة، وكيف أن أبواب الجنة تنتظر من يطرقها ويدخلها، أخرج الشيخان والإمام أحمد والترمذي وأبو حاتم عن رسول الله –صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (مَنْ أَنْفَقَ زَوْجَيْنِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ؛ نُودِيَ فِي الْجَنَّةِ: يَا عَبْدَ اللَّهِ هَذَا خَيْرٌ، فَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الصَّلاةِ؛ دُعِيَ مِنْ بَابِ الصَّلاةِ، وَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْجِهَادِ؛ دُعِيَ مِنْ بَابِ الْجِهَادِ وَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الصَّدَقَةِ؛ دُعِيَ مِنْ بَابِ الصَّدَقَةِ، وَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الصِّيَامِ؛ دُعِيَ مِنْ بَابِ الرَّيَّانِ) قَالَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ: "يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا عَلَى أَحَدٍ يُدْعَى مِنْ تِلْكَ الأَبْوَابِ مِنْ ضَرُورَةٍ، فَهَلْ يُدْعَى أَحَدٌ مِنْ تِلْكَ الأَبْوَابِ كُلِّهَا" قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (نَعَمْ وَأَرْجُو أَنْ تَكُونَ مِنْهُمْ) (متفق عليه).
فَسر بعض العلماء قوله -عليه الصلاة والسلام-: (زَوْجَيْنِ)، فقال: قريبان أو عبدان، وقال الحسن البصري: شيئان متغايران، درهم ودينار، درهم وثوب، وخف ولجام.
والمراد أن ينفق نوعين من ماله في سبيل الله، قال تعالى: (قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ) (سـبأ:39).
وقال -صلى الله عليه وسلم-: (إِنَّكَ لَنْ تَدَعَ شَيْئًا لِلَّهِ إِلاَّ بَدَّلَكَ اللهُ بِهِ مَا هُوَ خَيْرٌ لَكَ مِنْهُ) (رواه الإمام أحمد، وصححه الألباني).
وقال -صلى الله عليه وسلم-: (أَنْفِقْ بِلاَلُ، وَلاَ تَخْشَ مِنْ ذِي الْعَرْشِ إِقْلاَلاً) (رواه الطبراني، وصححه الألباني).
وقال -صلى الله عليه وسلم-: (مَنْ صَامَ يَوْمًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بَاعَدَ اللَّهُ وَجْهَهُ عَنْ النَّارِ سَبْعِينَ خَرِيفًا) (متفق عليه).
أخي الحبيب.. كيف نحول يوم الصَدِّيق إلى يوم في حياتنا، ولأن التطبيق لمعاني الإيمان والقيم والسلوكيات من أهم ما تعنى به الدعوة في فتيانها وشبابها؛ كان هذا العرض المقترح لك -أخي الشاب- ولإخوانك في المسجد، فإذا كان معك بعض إخوانك يحاولون معك النجاة فاتبع التالي:
1- نتعاهد على الاستيقاظ لصلاة الفجر مع الصيام ويوقظ بعضنا بعضًا.
2- وبعد الصلاة نجلس للأذكار وورد القرآن وذكر الله.
3- صلاة ركعتين بعد الشروق والانصراف إلى منازلنا مثلاً.
4- نلتقي في صلاة الظهر بالمسجد ثم نصلي السنة وننصرف.
5- نتوجه لزيارة مريض في بيته أو أي مريض بالمستشفى مع تذكير إخوانك بآداب زيارة المريض والأدعية المأثورة عند المريض (ولا تنسَ الهدية للمريض إن أمكن).
6- ننتظر جنازة قرب المقابر؛ لنتبعها ونصلي عليها وندعو لها ونذكر إخواننا بدعاء دخول المقابر وبعض المأثورات من الدعاء للميت.
7- نتفرق أزواجًا وثلاثيات؛ لنبحث عن مسكين لنطعمه، ونذكر إخواننا بفضل إطعام الطعام، قال صلى الله عليه وسلم: (مَنْ أَطْعَمَ مُؤْمِنًا حَتَّى يُشْبِعَهُ مِنْ سَغَبٍ أَدْخَلَهُ اللَّهُ بَابًا مِنْ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ، لا يُدْخِلُهُ إِلا مَنْ كَانَ مِثْلَهُ).
8 - نتفرق لنبحث عن فقير نتصدق عليه، قال -تعالى- في الحديث القدسي: (يَا ابْنَ آدَمَ أَنْفِقْ أُنْفِقْ عَلَيْكَ) (متفق عليه).
قال –صلى الله عليه وسلم-: (اللَّهُمَّ أَعْطِ مُنْفِقًا خَلَفًا) (متفق عليه).
9- ثم نلتقي لأذكار المساء والاستعداد للإفطار.
10- صلاة المغرب والإفطار مع المسابقات والترفيه، ونتذاكر الموعظة من هذا اليوم بما فيه.
11- ثم صلاة العشاء وركعتين قيام بعدها -إن أمكن-.
12- من الممكن أن نلعب شيئًا من الرياضة البدنية.
وبهذا ننهي هذا اليوم المبارك يوم الصِدِّيق. أسأل الله العلي القدير أن يجعل أيامنا كلها كيوم الصِدِّيق.
وصلى اللهم على محمد وعلى آلهِ وصحبه وسلم.