ضابط التفرقة بيْن التنازلات الجائزة وغير الجائزة
السؤال:
إذا كان النبي -صلى الله عليه وسلم- قد وافق على صلح الحديبية بشروطه، وتنازل تنازلاً جائزًا، وأباح لعمار بن ياسر -رضي الله عنهما- النطق بالكفر في لحظة الاضطرار، وهذا تنازل ظاهر، فما هو إذن التنازل غير الجائز؟ وما الفرق بينهما؟ وما هي شروطه؟ وما هي موانعه؟ ومتى يجوز؟ ومتى يحرم؟ وجزاك الله خيرًا شيخنا المبارك.
الجواب:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
فالتنازل غير الجائز أن يقول الإنسان كفرًا أو باطلاً بغير إكراه، وأن يفعل المسلم محرمًا أو يعتدي على مسلم بغير حق أو يعين عليه ظالمًا بفعل أو أمر وتحريض على أذيته بغير حق.
وأما منع الظالم مِن ظلمه للمسلم أو منع مرتكب المنكر مِن ارتكاب المنكر فهو مرتبط بالقدرة والعجز، ومراعاة المصلحة والمفسدة المعتبرة شرعًا بموازين الشريعة.
والرسول -صلى الله عليه وسلم- في الحديبية قَبِلَ أن يغير "بسم الله الرحمن الرحيم" إلى: "باسمك اللهم" وليس فيها باطل، بل هي حق، لكنها ليست خاصة بالمسلمين، وقَبِلَ أن يغير "محمد رسول الله" إلى: "محمد بن عبد الله"، واكتفى أن يقول شفاهة لا كتابة: (وَاللَّهِ إِنِّي لَرَسُولُ اللَّهِ وَإِنْ كَذَّبْتُمُونِي، اكْتُبْ: مُحَمَّدَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ) (رواه البخاري). و"محمد بن عبد الله" حق وليس فيها باطل، وإنما الباطل الذي لا يجوز إلا عند الإكراه أن يقول: "محمد ليس برسول" أو يطعن فيه.
أما أشد الشروط فهو رد مَن جاءه مسلمًا، وهذا في الحقيقة امتناع عن منع الظالم المشرك مِن ظلمه للمسلم وفتنته؛ لما في هذا العقد والصلح مِن المصالح، مع وعدٍ مِن الله -تعالى- بالفرج، وهو في الحقيقة لكل مسلمٍ تقي: (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا) (الطلاق:2).
وحبس مسلم أهون مِن قتله، وقتل البعض -وإن كان غليظ الحرمة- أهون مِن قتل الملايين -أو مئات الألوف- وانتهاك حرماتهم، وتدمير العباد والبلاد!