الموقع الرسمي لفضيلة الشيخ ياسر برهامي
الخميس 24 أغسطس 2006 - 30 رجب 1427هـ

تأملات فى الصراع الشيعي الاسرائيلي (4) وسرق اللص الفرنسي الكعكة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد،

وضعت الحرب بين اسرائيل وحزب الله أوزارها، وكان الأمر سجالا بين الفريقين بصورة أو بأخرى، وسارع كل فريق إلى إعلان انتصاره. فما هي حقيقة الأمر؟

أولا على الجانب الاسرائيلي:

من المضحك أن يعلن الجيش الاسرائيلي انتصاره، -وهو الذي حدد ثلاثة أيام لإزاحة حزب الله من الجنوب اللبناني، فعجز عن ذلك في ثلاثين يوما-  بعد أن جرحت كرامته العسكرية، ونال خسائر بشرية، ومادية فادحة.

إن غاية ما فعله الجيش الإسرائيلي هو أنه دفع حزب الله إلى القبول بوجود طرف آخر في الجنوب اللبناني، وهو الجيش اللبناني والقوات الدولية، وهذا بلغة الحرب يعد تعادلاً لا انتصارًا. وإذا ما أخذنا في الاعتبار فرق القوة بين الجانبين، فإن هذا يعد انكسارًا لا انتصارًا.

نعم إن الطرف الثالث طرف سيحقق لإسرائيل ما تريده عبر تبادل مصالح أخرى، ولكن هذا شيء والانتصار العسكري الساحق الذي كان سيمكن إسرائيل من إملاء شروطها على الجميع شئ آخر.

وأما على جانب حزب الله:

فلا ندري عن أي نصر يتكلم، ولو تكلم على هزيمة مشرفة، وصمود عسكري من المقاتلين لما اعترض أحد، ولكن التقييم الشامل للأمر،أين النصر؟؟ وقد فقد الأرض التي كان يقف عليها، والتي كان انسحاب إسرائيل الاختياري منها في عام 2000 هو أهم إنجازات حزب الله حتى الآن، أم أن الأرض تكن في غاية الأهمية إذا حررها حزب الله، ولا تكون لها قيمة إذا خسرها حزب الله؟

وأما أنه تركها للجيش اللبناني وليس للجيش الإسرائيلي، فهذه هزيمة عسكرية لإسرائيل ولكنها لا تمثل أي نصر لحزب الله الذي كان يعارض وبشدة ترك الجنوب للجيش اللبناني.

ومن الناحية الإسلامية التي توارت تمامًا في خطاب حزب الله في الآونة الأخيرة، فمن المعلوم أن الجيش اللبناني يضم عددًا كبيرًا جدًا من النصارى، وخاضع لإشراف الدولة التي يترأسها نصراني -وإن كان رئيس الوزراء مسلمًا-  بالإضافة إلى أن الكلمة العليا ستكون للقوة الدولية وليس للجيش اللبناني.

ولن نتكلم عن ما يزيد عن ألف قتيل فضلاً عن عشرات الآلاف من الجرحى، والمنازل التي هدمت، والطرق التي دمرت، لأن حزب الله جيش بلا شعب، لا يتكلم إلا عن حسابات المكسب والخسارة في الميدان، وإن كانت هذه بلا شك تهم أي مسلم معظم لحرمات المسلمين.

نعم لقد خرج حزب الله من ذلك بحيلة سياسية ظنها خروج من الأزمة، ولكنها في واقع الأمر كانت المصيدة التي نصبها لنفسه دون أن يدري!!!

لقد ادعى حزب الله أن قبوله بانتشار الجيش اللبناني في الجنوب ليس تحت ضغط القصف الإسرائيلي، ولكن أمر تمليه الوحدة الوطنية.

ومن هنا تدخل الاطراف الأخرى، فرنسا والقوى اللبنانية غير الشيعية للضغط على اسرائيا وامريكا أن يقبلا بإدخال حزب الله إلى هذه المصيدة التي اختارها لنفسه، وأن تتم التسوية بين اسرائيل والنظام اللبناني.

وليس أمام حزب الله الآن إلا القبول بتقليم أظافره من قبل النظام اللبناني، مع الغناء على بطولاته كمسكن، وإذا تمرد على ذلك فسوف يخسر دعاوي النصر التي يدعيها ويرددها من ورائه خصومه قبل أصدقائه، وسوف يكون مضطرا إلى الاعتراف بأنه لم يقبل الحل السلمي إلا تحت الضغط الاسرائيلي.

وأما فرنسا فقد اثبتت دائما أنها تجيد دور اللص الفرنسي الظريف أرسين لوبين الذي تحبه الشرطة –الأمريكية طبعا- ويحبه الضحايا –العرب غالبا-.

لقد استطاعت فرنسا صاحبة الفضل الذي لاينسى على الثورة الخمينية، وصاحبة الامتداد الثقافي الديني الصليبي الفرنسي في لبنان أن تقفز في خفة لتكون هي التي تحجز بين الفريقين، ولتحصد هي مجهود كل منهما، ولتكن هي المهيمنة على الجنوب اللبناني، ولاشك أن هذا سوف يقتضي  من أمريكا واسرائيل أن تتركان القسم الأكبر من الكعكة اللبنانية لفرنسا، وهذا الثمن يهون في جانب أن حدود اسرائيل الشمالية سوف تكون أكثر أمنا، حتى من تلك الفترة الذهبية التي كان فيها حزب الله يقوم بعمليات مقاومة محدودة في مزارع شبعا مقابل منع كل صور المقاومة على طول الحدود الاسرائيلية.

بل لا نستبعد أن تعطي إسرائيل مزارع شبعا للجيش اللبناني الصديق لاسيما في ظل وجود الصديق الأكبر فرنسا؛ حيث كانت مزارع شبعا مجرد مبرر لوجود حزب الله لا أكثر.

ولا نستبعد أن يتخلى الحليف السوري عن حزب الله ويقيم معاهدة سلام مع إسرائيل يسترد بها الجولان شريطة إخلائها من السلاح؛حيث أن هذا هو المطلب الإسرائيلي الملح في هذه الآونة لأن هذه الدولة اللقيطة تاريخيًا و جغرافيًا لا يمكن أن تشعر بالأمان إلا في ظل إحاطتها من كل جانب بمناطق معزولة السلاح.

وأما إيران فعلى الرغم من أنها قد استفادت جزئيًا من تأجيل ملفها النووي طيلة فترة الحرب بل وربما تؤجل فترة أخرى حتى يتم استقرار الأمر في الجنوب اللبناني إلا أنه يبدو أنها بدت بعد الحرب أكثر موضوعية في الكلام عن المفاوضات عن ملفها النووي.

وأما الأمة الإسلامية، فلا بواكي لها على ابنائها الذين فقدتهم، وعلى الأموال التي أهدرت، وعلى مصالحها التي أصبحت لعبة فى أيدي غيرها، ومن امتلك من الامة أوراقا يلعب بها إنما وظفها لمصالح قومية طائفية محدودة.

ولكن يبقى الفائدة الكبرى من الناحية النفسية والمعنوية، أن الذين كان عندهم شك في شأن الأسد الأمريكي، والشبل الاسرائيلي، قد اكتشفوا بالفعل أنهم عند المواجهه لا يحملون إلا قلوب الفئران.  فهل من واع للدرس؟؟؟؟؟